بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص25
كان الماء الكثير بحيث يتوهم أن النجاسة لا تسري في جميع أجزائه ، وأنه يستحيل عينها عن الماء الكثير ، وإذا كان ذلك كذلك ، فلا يبعد أن قدرا ما من الماء لوحله قدر ما من النجاسة ، لسرت فيه ، ولكان نجسا ، فإذا ورد ذلك الماء على النجاسة جزءا فجزءا فمعلوم أنه تفنى عين تلك النجاسة ، وتذهب قبل فناء ذلك الماء ، وعلى هذا فيكون آخر جزء ورد من ذلك الماء قد طهر المحل ، لان نسبته إلى ما ورد عليه مما بقى من النجاسة نسبة الماء الكثير إلى القليل من النجاسة ، ولذلك كان العلم يقع في هذه الحال بذهاب عين النجاسة – أعني في وقوع الجزء الاخير الطاهر على آخر جزء يبقى من عين النجاسة – ولهذا أجمعوا على أن مقدار ما يتوضأ به يطهر قطرة البول الواقعة في الثوب ، أو البدن ، واختلفوا إذا وقعت القطرة من البول في ذلك القدر من الماء .
وأولى المذاهب عندي ، وأحسنها طريقةفي الجمع ، هو أن يحمل حديث أبي هريرة وما في معناه على الكراهية .
وحديث أبي سعيد ، وأنس على الجواز ، لان هذا التأويل يبقى مفهوم الاحاديث على ظاهرها – أعني حديثي أبي هريرة – من أن المقصود بها تأثير النجاسة في الماء .
وحد الكراهية عندي هو ما تعافه النفس ، وترى أنه ماء خبيث ، وذلك أن ما يعاف الانسان شربه يجب أن يجتنب استعماله في القربة إلى الله تعالى ، وأن يعاف وروده على ظاهر بدنه كما يعاف وروده على داخله .
وأما من احتج بأنه لو كان قليل النجاسة ينجس قليل الماء ، لما كان الماء يطهر أحدا أبدا ، إذ كان يجب على هذا أن يكون المنفصل من الماء عن الشئ النجس المقصود تطهيره أبدا نجسا ، فقول لا معنى له ، لما بيناه من أن نسبة آخر جزء يرد من الماء على آخر جزء يبقى من النجاسة في المحل نسبة الماء الكثير إلى النجاسة القليلة ، وإن كان يعجب به كثير من المتأخرين فإنا نعلم قطعا أن الماء الكثير يحيل النجاسة ويقلب عينها إلى الطهارة ولذلك أجمع العلماء على أن الماء الكثير لا تفسده النجاسة القليلة ، فإذا تابع الغاسل صب الماء على المكان النجس ، أو العضو النجس ، فيحيل الماء ضرورة عين النجاسة بكثرته ، ولا فرق بين الماء الكثير أن يرد على النجاسة الواحدة بعينها دفعة ، أو يرد عليها جزءا بعد جزء ، فإذن هؤلاء إنما احتجوا بموضع الاجماع على موضع الخلاف من حيث لم يشعروا بذلك ، والموضعان في غاية التباين .
لمسألة من سبب اختلاف الناس فيها ، وترجيح أقوالهم فيها ، ولوددنا لو أن سلكنا في كل مسألة هذا المسلك ، لكن رأينا أن هذا يقتضي طولا ، وربما عاق الزمان عنه ، وأن الاحوط هو أن نؤم الغرض الاول الذي قصدناه ، فإن يسر الله تعالى فيه ، وكان لنا انفساح من العمر ، فسيتم هذا الغرض .
المسألة الثانية : الماء الذي خالطه زعفران ، أو غيره من الاشياء الطاهرة التي تنفك منه غالبا متى غيرت أحد أوصافه ، فإنه طاهر عند جميع العلماء غير مطهر عند مالك والشافعي ومطهر عند أبي حنيفة ما لم يكن التغير عن طبخ .
وسبب اختلافهم : هو خفاء تناول اسم