بدایة المجتهد و نهایة المقتصد-ج1-ص24
وذلك أن حديث أبي هريرة المتقدم وهو قوله عليه الصلاة والسلام : إذا استيقظ أحدكم من نومه الحديث يفهم من ظاهره أن قليل النجاسة ينجس قليل الماء .
وكذلك أيضا حديث أبي هرير الثابت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه فإنه يوهب ظاهره أيضا أن قليل النجاسة ينجس قليل الماء .
وكذلك ما ورد من النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم .
وأما حديث أنس الثابت : أن أعرابيا قام إلى ناحية من المسجد فبال فيها ، فصاح به الناس ، فقال رسول الله ( ص ) : دعوه .
فلما فرغ أمر رسول الله ( ص ) بذنوب ماء فصب على بوله فظاهره أن قليل النجاسة لا يفسد قليل الماء .
إذ معلوم أن ذلك الموضع قد طهر من ذلك الذنوب .
وحديث أبي سعيد الخدري كذلك أيضا خرجه أبو داود قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقال له : إنه يستقي من بئر بضاعة ، وهي بئر يلقى فيها لحوم الكلاب ، والمحائض ، وعذرة االناس ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : إن الماء لا ينجسه شئ .
فرام العلماء الجمع بين هذه الاحاديث ، واختلفوا في طريق الجمع ، فاختلفت لذلك مذاهبهم : فمن ذهب إلى القول بظاهر حديث الاعرابي ، وحديث أبي سعيد قال : إن حديثي أبي هريرة غير معقولي المعنى ، وامتثال ما تضمناه عبادة ، لا لان ذلك الماء بنجس ، حتى أن الظاهرية أفرطت في ذلك ، فقالت : لو صب البول إنسان في ذلك الماء من قدح ، لما كره الغسل به والوضوء .
فجمع بينهما على هذا الوجه من قال هذا القول ومن كره الماء القليل تحله النجاسة اليسيرة جمع بين الاحاديث ، فإنه حمل حديثي أبي هريرة على الكراهية ، وحمل حديث الاعرابي وحديث أبي سعيد على ظاهرهما أعني على الاجزاء .
وأما الشافعي ، وأبو حنيفة فجمعا بين حديثيأبي هريرة ، وحديث أبي سعيد الخدري بأن حملا حديثي أبي هريرة على الماء القليل ، وحديث أبي سعيد على الماء الكثير .
وذهب الشافعي إلى أن الحد في ذلك الذي يجمع الاحاديث هو ما ورد في حديث عبد اللهابن عمر عن أبيه وخرجه أبو داود والترمذي ، وصححه أبو محمد بن حزم قال : سئل رسول الله ( ص ) عن الماء ، وما ينوبه من السباع والدواب ؟ فقا : إن كان الماء قلتين لم يحمل خبثا .
وأما أبو حنيفة فذهب إلى أن الحد في ذلك من جهة القياس ، وذلك أنه اعتبر سريان النجاسة في جميع الماء بسريان الحركة ، فإذا كان الماء بحيث يظن أن النجاسة لا يمكن فيها أن تسري في جميعه ، فالماء طاهر .
لكن من ذهب هذين المذهبين فحديث الاعرابي المشهور معارض له ولا بد ، فلذلك لجأت الشافعية إلى أن فرقت بين ورود الماء على النجاسة ، وورودها على الماء ، فقالوا : إن ورد عليها الماء كما في حديث الاعرابي لم ينجس ، وإن ورد ت النجاسة على الماء كما في حديث أبي هريرة نجس .
وقال جمهور الفقهاء : هذا تحكم ، وله إذا تؤمل وجه من النظر ، وذلك أنهم إنما صاروا إلى الاجماع على أن النجاسة اليسيرة لا تؤثر في الماء الكثير إذا