مصباح الفقاهة (ط . ج)-ج2-ص148
وبتعبير آخر: ان مورد الاستصحاب الكلي ما يكون المشكوك فيه مرددا بين الفرد الزائل والفرد الباقي، بحيث يكون الشك من ناحية تردد المشكوك فيه بينهما، فانه حينئذ يستصحب الكلي الجامع بين هذين الفردين.
ومثال ذلك: الحيوان المردد بين ما يعيش سنة وما لا يعيش الا يوما واحدا، وكالحدث المردد بين الاصغر الزائل بالوضوء والاكبر الذي لا يرتفع الا بالغسل، وغير ذلك من الامثلة، وأما لو كان الشك من ناحية بقاء الفرد الحادث وارتفاعه في نفسه لا من ناحية كون الحادث مرددا بين الزائل والباقي، فان المورد حينئذ انما هو مورد الاستصحاب الشخصي، وذلك كالشك في بقاء الامور الشخصية وزوالها، ولا شبهة ان الملكيةمن القبيل الثاني.
مثلا إذا وهب أحد ماله لشخص ثم رجع عن هبته وشككنا في انها هبة جائزة لكي تنفسخ بالفسخ أو هبة لازمة حتى لا تزول بالفسخ، إذا شك في ذلك استصحبنا الملكية، لان الشك في بقاء شخص الملكية وزوالها من ناحية احتمال اقترانها بالرافع لا من جهة تردد هذه الملكية بين الفرد الزائل والفرد الباقي، ومن الواضح أنه لو كان مجرد الشك في بقاء شئ وزواله لاحتمال تحقق الرافع من الاستصحابات الكلية، لكان جل الاستصحابات لو لم يكن كلها من قبيل الاستصحاب الكلي وهو واضح البطلان.
واذن فلا يتوجه على استصحاب الملكية في المقام ما يتوجه على الاستصحاب الكلي من المناقشات (1).
1 – قيل: انا نري بالعيان ونشاهد بالوجدان ان سبب الملك اللازم كالبيع يغائر سبب الملك الجائز كالهبة تغائرا حقيقيا، وعليه فلو كانت الملكية الحاصلة منهما حقيقة واحدة وماهية فاردة لزم من ذلك تأثير ماهيات كثيرة في ماهية واحدة، وهو محال، واذن فالملك الجائز و الملك اللازم مختلفان نوعا لاختلاف سببهما، وعلى هذا فاستصحاب الملكية مع الشك في زوالها وبقائها من الاستصحابات الكلية لا الشخصية.
وأجاب عنه بعض المحققين من المشايخ، واليك لفظه: ان اختلاف السبب بما هو سبب كاشف قطعي عن اختلاف المسبب، وأما اختلاف ذات السبب فلا، لامكان تأثير السببين بجامعهما اثرا واحدا، وهو الملك، وبخصوصيتهما حكمين مختلفين، وهما اللزوم والجواز.
وفيه: ان امكان تأثير الاسباب العديدة بجامعهما اثرا واحدا لا يكفي في اثبات اتحاد المسبب لكي نستصحبه بشخصه مع الشك في بقائة وزواله، والتحقيق ان الجواب عن المناقشة المزبورة بوجهين: 1 – ان في اطلاق السبب على عنوان المعاملة مسامحة واضحة، إذ لا تأثير له في الملكيةبوجه، غير انه موضوع للملكية الشرعية أو العقلائية، ولا شبهة ان هذه الملكية تتشخص باعتبار المعتبر، واذن فالملكية المترتبة على عنوان المعاملة ملكية شخصية، فإذا شك في بقائها وزوالها استصحبناها.
وبتعبير آخر انه قد يراد من الملك مفهومه القابل للصدق على جميع افراد الملك، ولا ريب في انه كلي، ولكنه خارج عن محل البحث، بداهة أن المترتب على المعاملة ليس هو المفهوم بل مصداقه.
وقد يراد به ما اعتبره المنشئ في عالم الاعتبار وأظهره بمبرز خارجي، ولا شبهة في أن هذا جزء من عنوان المعاملة، كالصلح والهبة والبيع، ضرورة انها عبارة عن الاعتبار النفساني المظهر بمظهر خارجي، ولا شك في أن المعتبر النفساني ليس الا أمرا شخصيا.
وقد يراد من الملك الملكية الشرعية، وبديهي انها ليست الا امضاء لما اعتبره المنشئ فتكون شخصية بشخصية ما اعتبره المنشئ، وعليه فإذا شك في بقائه كان استصحابه من الاستصحاب الشخصي.
2 – ان اختلاف الملكية في اللزوم والجواز انما هو باختلاف المصالح التي دعت الى اعتبار الملك لازما تارة وجائزا تارة اخرى، ومن البديهي ان هذا اجنبي عن نفس الملكية التي هي أمر اعتباري محض.
وقد تجلي لك من ذلك فساد ما قيل من ان الملكية المترتبة على المعاملات وان كانت شخصية ولكنها ذات مراتب شتي فتكون كلية من هذه الناحية، واذن فالاستصحاب الجاري فيها استصحاب كلي لا شخصي.