مسالک الافهام الی تنقیح شرائع الاسلام-ج14-ص346
واعترض المصنف – رحمه الله – أيضا على جانب النقصان، لجواز أن يريد بالحد التعزير، فإنه يطلق عليه لغة، فلا يتحقق ثبوت الحد المعهود عليه، إذ لا يثبت عليه إلا ما علم أنه مراد من اللفظ.
وفيه نظر، لان الحد حقيقة شرعية في المقدرات المذكورة، وإطلاقها علىالتعزير مجاز لا يصار إليه عند الاطلاق بدون القرينة.
ثم على تقدير حمله على التعزير فأمره منوط بنظر الحاكم غالبا، ونظر الحاكم يتوقف على معرفة المعصية ليرتب عليها ما يناسبها، لا بمجرد التشهي، ومن التعزير ما هو مقدر، فجاز أن يكون أحدها، فيشكل تجاوزها أو نقصها (1) بدون العلم بالحال.
ويشكل الخبر أيضا باستلزامه أنه لو أنهى عن نفسه فيما دون الحدود المعلومة قبل منه، وليس هذا حكم الحد ولا التعزير.
وأيضا، فإن من الحدود ما يتوقف على الاقرار أربع مرات، ومنها ما يتوقف على الاقرار مرتين، ومنها ما يثبت بمرة، فلا يتم إطلاق القول بجواز بلوغ المائة مع الاقرار دون الاربع، وبلوغ الثمانين بدون الاقرار مرتين، واشتراط ذلك كله خروج عن مورد الرواية رأسا.
والحق أن الرواية مطرحة، لضعف سندها باشتراك محمد بن قيس الذي يروي عن الباقر عليه السلام بين الثقة وغيره، فلا تصلح لاثبات هذا الحكم المخالف للاصل.
مع أنه قد روي بطريق يشاركه في الضعف – إن لم يكن أقرب منه – عن أنس بن مالك قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وآله فجأه رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي، ولم يسمه، قال: وحضرت الصلاةفصلى مع النبي صلى الله عليه وآله، فلما قضى النبي الصلاة قام إليه الرجل فقال:
(1) في (أ، ث، د): بعضها.