مسالک الافهام الی تنقیح شرائع الاسلام-ج4-ص224
ولا يفهم منه إرادة الوكالة إلا بانضمام قرائن خارجية، فيدل على كونها حقيقة في معناها المذكور دون الوكالة، لما تقرر في الاصول من أن ذلك علامة الحقيقة والمجاز.
قلنا: هذه العلامة لا تتم في المشترك، لانه مع وجود قرينة تعين أحد معانيه يتبادر الذهن إلى إرادته، مع عدم كون الآخر مجازا إجماعا، ومع عدم قرينة معينة لايتبادر أحدها، فيلزم على هذا أن يكون إطلاقه عليها بطريق المجاز، كما أن إطلاقه على غير المتبادر إليه بطريق المجاز أيضا.
وهو باطل قطعا، ألا ترى أن من قال لغيره: إشترى الشئ الفلاني بالعين، يتبادر إلى الذهن قطعا أنه لا يريد به عين الركبة ولا الباصرة، مع أن إطلاق العين عليهما بطريق الحقيقة.
ثم يحتمل أن يريد به ما قابل الدين فيصلح لسائر أعيان الاموال، ويحتمل أن يريد به الذهب فيخرج غيره من الاعيان، ويدخل الدين إذا كان ذهبا، فلا يدل عدم المبادرة إلى أحدهما على أنهما مجازان فيه.
ثم لو ضم إلى لفظ الامر السابق قوله: ” لا بالدين ” تبادر إلى الذهن إرادة المعنى الاول من المعنيين، ومع ذلك لا يدل على أن إطلاقه على الباقي بطريق المجاز.
وحينئذ فإطلاق الاصوليين كون ذلك من علامات الحقيقة والمجاز يحتاج إلى التنقيح.
وقد تنبه له بعض الاصوليين.
فإن قيل: الحوالة حقيقة شرعية في العقد المخصوص، وإطلاقها على الوكالة إنما هو بطريق اللغة، وإذا تعارضت الحقيقتان فالشرعية مقدمة.
ويعضدها أيضا دلالة العرف على إرادة المعنى الشرعي، والعرفية مقدمة على اللغوية.
قلنا: دلالتها على الوكالة أيضا بطريق الشرع، لان الوكالة لما كانت شرعاحقيقة في الاذن في التصرف كيف اتفق وبأي لفظ دل عليه، كما هو شان العقود الجائزة، وكانت الحوالة دالة عليه أيضا، فإطلاقها عليها إذا أرادها اللافظ يكون بطريق الحقيقة الشرعية وإن وافقها مع ذلك اللغة.
وترجيح الشرع والعرف للمعنى المتعارف من الحوالة يقتضي ترجيح أحد معنيي المشترك، وهو لا يخرج الفرد الآخر