الروضة البهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة-ج9-ص37
= إن دابر الفحشاء ينقطع إذا أميت ذكرها ولم تختلج ببال الناس أبدا.
حيث إن النفس ميالة إلى لذائذ تسمع ذكرها.
وأما التي لم تقرع سمعها فهي في غفلة عنها فقد تمضي فترة طويلة.
وربما حقب مديد، ولا ترتكب معصية خاصة إذا غفل الناس عنها ولم يخطر ببالهم إرتكابها.
وقد قالوا قديما: إن القلوب تهوي ما رأته الأبصار وإلى هذا المعنى يشير الشاعر العارف الفارسي (بابا طاهر عريان).
زدست ديده ودل هردو فرياد
كه هرچه ديده بيند دل كند ياد بسازم خنجري نيشش زفولاد
زنم برديده تادل گردد آزاد ولذلك كله اهتم الشارع المقدس بإخفاء ذكر الفواحش والمنع من إشاعتها والتحدث عنها.
هذه من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أن للمعاصي في أنفسها هيبة ونفرة عمومية يهابها أفراد الناس ويخافها كل أحد، ولا يقدم شخص على إرتكابها.
ولكن مادامت قابعة في إطار الخمود وزوايا الغفلة العامة.
أما إذا برزت للظهور وكسرت حدودها وجاءت في معرض الوجود، ولاسيما إذا استرذلت فيرتكبها الناس أفواجا أفواجا من غير مهابة، أو احتشام.
والسر في ذلك: أن كل أحد يشعر في قرارة نفسه أن ارتكاب معصية ما أمر غير مقدور، أو هو مستهجن قبيح وسوف يذمه العقلاء والناس أجمعون.
وهذه وأمثالها أفكار تختلج أذهان كل من يهم بمعصية من المعاصي.
ولكن إذا استرخصت وبذلت وذهبت الحشمة والأبهة وأصبحت من الأمور المعتادة بحيث لا يخافها الناس ولا يحتشموها، ولا يقبحونها فعند ذلك يقدم كل أحد على إرتكابها حتى الذي لم يكن له داع من ذي قبل إلى الهم بها والتمتع بنوعية لذتها.