اجوبهُ المسایل الشرعیّه-ج1-ص530
واليتامى أو يشعر بالفرح والسرور لنجدة هؤلاء الأفراد، فإن تنازل هذا الفرد دون رياءلجانب من حاجاته للآخرين فإنّ عمله هذا يصطلح عليه بالإيثار والتضحية. صحيح أنّ هذاالعمل ينقذه من تأنيب الضمير ويمنحه نشاطاً وحيوية، ولكن حيث لم يكن دافعه من هذاالعمل منفعة دنيوية، ولم ينطلق فيه من توقع عوض ومقابل إزاء العمل، فإنّ عمله هذا يعدّإثرة وتضحية على ضوء العقل والشرع.
بعبارة أخرى: لابدّ من الرجوع إلى دوافع العمل لتقييم الذات في أنّ هذا العمل تضحيةوإيثار. والممارسات العاطفية والإنسانية التي يعبر عنها أحياناً بالتضحية والإيثار هي الأفعال المجردة من حسابات الربح والمنفعة فينطلق فيها الشخص من كوامنه الذاتيةوأعماق قلبه دون أدنى سمعة ورياء أو منفعة من فرد أو مجتمع. وبخلافه لا يصطلح بالإيثارعلى أي عمل لا يخلو من دوافع مادية وتوقع الحصول على عوض وأجرة، فهذا العمل نوع من المعاملة.
2 – أحياناً يبلغ عشق شخص أو شي ء مرحلة بحيث لا يرى الإنسان سواه فينسى نفسه،ومن ينسى نفسه سينسى بالتأكيد مصالحه؛ وهنا لا يرى سوى المحبوب والهدف المقدس ولا يفكر سوى في منافع المحبوب، ويتخلى كلياً عن قانون التبادل التجاري في القيام بفعل إزاء منفعة، فتبلغ التضحية والإيثار باتجاه الهدف بما تجعله يلتذ بخدمة المحبوب التي تضفي عليه أسمى أنواع اللذائذ وتفيض السكينة على روحه وبدنه، وبالتالي يصل تلك المرحلة التي ينسى في ظلها روحه وبدنه فيعيش درجة الفناء. وهذه هي الدرجة التي بلغهاأئمتنا عليهم السلام إزاء الذات المطلقة، فهم يعبدونه لذاته المقدّسة التي تمثل غاية الكمال والجمال،فيطلبونه لذاته ويضحون بمهجهم من أجل هذه الذات.
ولعل ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام إشارة إلى هذا الموضوع، إذ قال:
« ما عبدتك خوفاًمن نارك ولا طمعاً في جنتك بل وجدتك اهلاً للعبادة»
. ونموذج ذلك أدعيته ومناجاته عليه السلام ؛ فقد بلغ مرحلة من الذوبان في جمال الحق وكماله المطلق بحيث لا يشعربالسهم حين يُسلّ من قدمه؛ فمثل هذا العبد لا يسعه التفكير بنفعه وضرره حين قيامه بعمل وعبادة؛ فهو لا يرى سوى اللَّه ولا يعمل إلّاله وليس لذاته.