پایگاه تخصصی فقه هنر

اجوبهُ المسایل الشرعیّه-ج1-ص388

ومنع الانحراف لا يبدو ضرورياً في ظهر هذه الحياة التي لا يعتمد فيها مصير كل فرد على الاخر، بينما لا يبدو كذلك في المجتمع الذي يعيش وحدة المصير، فأفراد هذا المجتمع كأبناء الأسرة الذين تسودهم اللحمة بحيث لا يسع أحدهم الإنفصال عن الآخر، وعليه فتصرفات كل فرد تنسحب على المجتمع، وعلى هذا الضوء لا يسع أحد أن يتخذ موقف المتفرج ويرى نفسه بعيداً عن أفعالهم الصالحة والطالحة.

والانحرافات الخلقية كالأمراض المعدية – شئنا أم أبينا – تصيب الآخرين، وعليه فلابدّمن مقاومتها، إلّالاجتاحت جميع البلدان. كما أنّ الانحراف الأخلاقي والاجتماعي -كالمرض العضوي – يترسخ بسرعة ويستشري في صفوف المجتمع. افرض أنّ أحدهم جعل داره مركزاً للفساد وفسح فيها المجال للفاسقين، فهل تبقى حصانة للبنين والبنات الذين يشهدون تلك الدعارة كل لحظة، أم أنّ هوس الشهوة سيدفع بهم إلى ذلك المكان لتتسع دائرة الفساد بالتدريج.

ومن هنا لابدّ من القول إنّ التصدي للانحراف الأخلاقي والاجتماعي يضمن سعادةالمجتمع الذي يعيش أفراده مع بعضهم البعض، والسكوت هنا جريمة ولعله لا ينجو من الهلكة. ولذلك أشار القرآن لهذه الحقيقة فقال

« وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَاتُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً… »(1) .

وقد طرح أحدهم هذا السؤال على النبي الأكرم صلى الله عليه و آله فأجابه بتصوير الحالة كالسفينةالتي ركبها جماعة وهم أحرار فهل يحق لأحدهم خرق البقعة التي يشغلها، طبعاً إن خرقهاهلك وأهلك الجميع. فمجتمعنا أشبه بالسفينة وركابها الأفراد، فهم شركاء في المصير ولايمكن لأحدهم الاستقلال عن الآخرين. فالواقع هنالك فارق كبير بين النظرة الإسلاميةلحريات الفرد وسائر المدارس السائدة في عالمنا المعاصر. فالحرية في عالمنا المعاصرمحترمة ما لم تصطدم بالمجتمع وإن جرت الويلات على ذلك الشخص وأدّت به إلى البؤس والشقاء أمّا الحرية في الإسلام فتبقى محترمة ما لم تؤثر على المجتمع ولا تخل بسعادته


(1) سورة الانفال، الآية 25.