اجوبهُ المسایل الشرعیّه-ج1-ص300
إثارتها ببعض الوسائل الخاصة لتخرج من حيز القوّة إلى الفعل – ومن الطبيعي ما لم تظهرهذه الطاقات سوف لن يكون هنالك تكامل وفضيلة، وبالتالي ما يتبعها من ثواب وعقاب.
ومثل هذا الإمتحان يهدف إلى تربية الإنسان وتهذيبه وتنمية المكارم لديه؛ ولولا هذاالإمتحان لما ظهرت لدى الإنسان هذه الطاقات ولما استحق من تقدير وثواب. وقد أوجزأمير المؤمنين عليه السلام بيان هذه الحقيقة حين قال:
« لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: «اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفِتْنَةِ» لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ وَ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ، وَ لكِنْ مَنِ اسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلاَّتِ الْفِتَنِ».
ثم قال عليه السلام في بيانه للهدف من الإمتحان:
« لِيَتَبَيَّنَ السَّاخِطَ لِرِزْقِهِ، وَ الرَّاضِيَ بِقِسْمِهِ. وَ إِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَ لكِنْ لِتَظْهَرَ الْأَفْعَالُ الَّتي بِهَايُسْتَحَقُّ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ»(1)
فالإمام عليه السلام يرى الهدف من الإمتحان ظهور الطاقات الباطنية كافعال خارجية، فيتبين استحقاق الأفراد للثواب والعقاب، وإلّا فالصفات الباطنية)دون العمل الخارجي( لا يترتب عليها أي ثواب أو عقاب، وبالتالي لا يحصل في الواقع تكامل. فمثلاً حين ابتلى اللَّه خليله إبراهيم عليه السلام بذبح ولده إسماعيل، لم يكن الهدف الاطلاع هل يطيع إبراهيم الأمر أم لا؛ بل الهدف تربية روح الطاعة والتسليم للأوامر الإلهيّة لدى إبراهيم وإخراجه لحيز الفعل، فيتجه إبراهيم على هذا الأساس لطي مسيرته التكاملية )لابدّمن الدقة والتامل(.
ولذلك يمتحن اللَّه عباده ببعض الصعاب:
« وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَىْ ءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ»(2)
. ما نقوله من أنّ إمتحان اللَّه لعباده وتنمية الصفات الفاضلة لديه، لا يعني حمل الأفراد قسراً وقطعاً لبلوغ هذا الهدف وتنمية مكارم الأخلاق لديهم؛ بل المراد أنّ الإمتحان الإلهي يخلق الأرضية الخصبة للتربيةوالتهذيب في الوسط الاجتماعي؛ فمن أراد السعادة استغل هذه الإمكانات إلى أقصى ما
(1) نهج البلاغة لمحمد عبده، الكلمات القصار، الكلمه 93.
(2) سورة البقرة، الآية 155.