الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص297
قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا انظر السيد مكاتبه عند عجزه جاز له أن يرجع في إنظاره ، وإن خالفنا فيه أبو حنيفة ، وقد مضى الكلام معه ، وإذا كان كذلك فللمكاتب عند رجوع السيد في إنظاره حالتان :
إحداهما أن يكون حاضراً ، فللسيد أن يفسخ كتابته إذا علم المكاتب برجوعه في الإنظار ، ولم يبادر بالأداء .
والحال الثانية : أن يكون غائبا مسافرا ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون سفرا ممنوعا منه على الوجه الذي يمنعه فيه من السفر ، فللسيد أن يعجل الفسخ ، ولا يلزمه التوقف لإعلامه لتعديه بالسفر ، فلم يستحق الإنظار بعدوانه .
والضرب الثاني : أن يكون سفراً لا يمنع منه إما لأنه عن إذن السيد ، وإما على الوجه الذي يجوز له السفر بغير إذن السيد ، فليس للسيد أن يفسخ قبل إعلام المكاتب برجوعه في الإنظار ، فيثبت السيد عند حاكم بلده عقد الكتابة ، وحلول النجم الذي انظره به ، ويخبره برجوعه في إنظاره ، فإذا أقام البينة بذلك أحلفه الحاكم انه ما قبض من مال ذلك النجم ، وإنه لباق عليه ، فإذا فعل الحاكم ذلك كتب حينئذ إلى حاكم البلد الذي فيه المكاتب برجوع سيده إفي إنظاره ، فإذا عرف المكاتب ذلك من حاكم بلده نظر ، فإن كان السيد قد سافر إليه أو كان له وكيل فيه ، فعجل دفع ذلك إليه أو إلى وكيله إن لم يكن السيد حاضراً وعتق ، وإن أخر المال عن وكيله في الحال كان للسيد أن يفسخ ، وينوب الحاكم عنه في الفسخ إذا سأله عند غيبته ، ولا يلزم مع حضور الوكيل كما لا يحتاج إليه إذا كان السيد حاضراً ، لأن القبض في الحالين ممكن ، وإن لم يكن للسيد وكيل في بلد المكاتب انظر المكاتب قدر المسافة من مسيره إلى سيده على حسب المكنة ، فإن تأخر عنها فسخ السيد حينئذ الكتابة ، أو ناب الحاكم عنه في الفسخ إذا فوضه إليه ، فلو سأل ، السيد حاكم البلد الذي فيه المكاتب أن يقبض منه مال كتابته لم يلزمه القبض ، وكان فيه بالخيار ، لأن الذي يختص الحاكم بالتزامه هو الحكم دون القبض إلا أن يكون المال لمولى عليه ، فتلزمه النيابة عنه في قبضه ، لثبوت ولايته عليه وعلى ماله .
والفرق بينهما : أن المكاتب قد علم بحلول النجم في سفره ، وأن السيد قد استحق به فسخ كتابته ، فلذلك لم يلزمه إعلامه ، وليس كذلك إذا أنظره ، لأنه لم يعلم باستحقاق الفسخ بعد رجوعه ، فلذلك وجب إعلامه .