الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج18-ص261
فصل
فإذا تقررت هذه الجملة انتقل الكلام إلى حكم المكاتب بعد استرقاق سيده ، فتكون كتابته بحالها لا تبطل باسترقاق سيده ، ولا يجوز أن يؤديها إلى وكيل السيد ، لأن زوال ملكه بالاسترقاق قد أبطل وكالته ، ويكون الحاكم هو المستأدي لها أو من يندبه ، لذلك من أمنائه ، ويكون حكم استرقاقه مبنياً على حكم موته ، فإن قلنا : إنه لو مات لم يغنم ماله كان موروثا عنه ، فلذلك إذا استرق لم يغنم ماله الذي في دار الإسلام ، ولا المكاتب الذي فيها ، ويكون ماله موقوفا على ما يحدث بعد استرقاقه من عتق أو موت على رق ، وإن قلنا إنه لو مات كان ماله ومكاتبه مغنوماً ، ففيه إذا استرق قولان :
أحدهما : يكون مغنوماً ، لأن الرق يزيل الملك كالموت ، فاستويا في غنيمة ماله .
والقول الثاني : أن ماله لا يغنم باسترقاقه ، وإن غنم بموته .
والفرق بينهما : أن زوال الملك بالموت لا يرجى عوده ، لاستحالة حياته بعد موته ، وزوال ملكه بالرق يرجى عوده ، لجواز عتقه بعد رقه ، فلا يغنم عليه ماله بالرق ، ويكون موقوفا على ما يحدث من عتقه أو موته .
فصل
فإذا ثبت ما ذكرنا من حكم ملكه بعد رقه ، فإن قلنا : يكون مغنوما كان ما يؤديه المكاتب فيئا لبيت مال المسلمين ، فإن عتق بالأداء كان ولاؤه لكافة المسلمين ، ويكون معنى قول الشافعي : ( ولا ولاء لأحد بسببه ) يعني : أنه لا ولاء لأحد من المسلمين بعينه ، لأن لاءه لجماعتهم ، وإن عجز هذا المكاتب ورق كان مملوكا في بيت المال لكافة المسلمين ، وسواء على هذا القول أن يموت سيده على رقه أو يعتق قبل موته ، وإن قلنا : إن ماله يكون بعد حدوث رقه موقوفاً على ما يكون من عتقه أو موته فله حالتان : حالة يعتق قبل موته ، وحالة يموت على رقه ، فإن عتق قبل موته عاد ماله الموقوف إلى ملكه ، وإن كان المكاتب باقيا على كتابته أداها عتق وكان ولاؤه إن عتق له ، وإن كان قد أداها إلى الحاكم أخذ من الحاكم ما استأداه من كتابته ، وكان له ولاء مكاتبه ، وإن مات على رقه كان ماله مغنوما لا يرد على سيده ، ولا على وارثه ، ويعتبر حال مكاتبه ، فإن له حالتين : إحداهما أن يعجز ، ويرق ، فيكون مغنوماً كسائر أمواله .
والحالة الثانية : أن يؤدي فيعتق فلا يخلو حال عتقه بالأداء من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون قبل استرقاق سيده ، ففي ولائه وجهان :
أحدهما : أن يكون لبيت المال كسائر أمواله .