الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص352
فبطل بهما حكم يده ، وإنما يرجع إلى يد يجوز أن تكون مالكه ، وليس للبائع يد ملك .
فعلى هذا يجري على البينتين حكم المتعارضتين في الظاهر ، وإن جاز أن لا يتعارضا في الباطن بأن يتقدم أحد العقدين على الآخر فيكون في تعارضهما ثلاثة أقاويل :
أحدهما : إسقاطها فيرجع إلى قول البائع لا ترجيحا للبينة لأنهما قد أسقطتا ، ولكن لأنها دعوى عليه في ابتياع منه . فإن كذبهما حلف لكل واحد منهما ، وغرم له ما شهدت به بينته من الثمن الذي دفعه ، والدار باقية على حكم ملكه ، وإن صدق أحدهما ، وكذب الآخر ، كانت الدار مبيعة على المصدق ، دون المكذب فإن طلب المكذب إحلاف البائع ، نظر فإن كان قد سبق بالدعوى على المصدق كان له إحلاف البائع ، لأنه قد استحق اليمين بإنكاره قبل دعوى المصدق ، فلم يسقط حقه منها بتصديقه لغيره وإن كانت دعواه بعد تصديق الآخر ، فلا يمين عليه إلا على تخريج يذكره ، لأنها دعوى في حلال لا ينفذ فيها إقراره ويرجع عليه بالثمن الذي شهدت به بينته ، فلو عاد البائع ، فصدق الثاني بعد تصديق الأول ، كان البيع للأول ، لتقدم إقراره ، ونظر في قيمة الدار ، فإن كانت بقدر الثمن الذي شهدت به بينة الثاني ، لم يغرم للثاني إلا الثمن ، وإن كانت قيمتها أكثر من الثمن ففي وجوب غرم زيادة القيمة بعد رد الثمن قولان :
أحدهما : لا يغرمها .
والثاني : يغرمها .
ومن هاهنا يجيء تخريج قول أبي علي للبائع أن يحلف للمكذب لأنه إذا غرم مع الإقرار حلف مع الإنكار ، ولو صدق البائع لهما جميعا ، جعلت الدار بينهما ، ويكون نصفها مبيعا على كل واحد منهما بنصف الثمن الذي شهدت به بينته ، إن اتفقوا على قدره . وإن عدلوا إلى غيره ، فكل واحد من المشتريين يأخذ نصف الدار بنصف الثمن الذي أقر به البائع . إن صدق المشتريان على قدره ، وإن كذباه ، حلفاه عليه ، وأبطل البيع ، ولا يعتبر الثمن الذي شهدت به البينة إلا في دفعه دون عقد البيع ، لأنه قد أسقط قبولهما في البيع ، فسقط حكم الثمن الذي شهدا به وإن قبلت شهادتهما في دفعه ، لأن تعارضهما في البيع لا في دفع الثمن فهو احكم القول الأول في إسقاط البينتين بالتعارض .
والقول الثاني : الإقراع بين البينتين فأيتهما قرعت حكم بها وكان البيع لمن شهدت له ، وفي إحلافه مع القرعة قولان :
أحدهما : يحلف إن قيل : إن القرعة مرجحة لدعواه .