الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص349
فأما ما استشهد به من قديم اليد ، وقديم الملك ، فهما سواء لا يحكم فيهما باستدامة اليد ، ولا باستدامة الملك حتى يشهدوا أنه كان مالكا لها بالأمس ، وإلى وقته ، لأن النزاع في ملكها ، فالوقت دون ما تقدم فصارت الشهادة بالمتقدم من غير التنازع ، فلم يحكم بها ، لأنه قد يملك ما يزول عنه ملكه في اليوم . فإن كان أبو إسحاق المروزي يرى الحكم بها في اليوم مذهبا لنفسه ، خولف فيه تعليلا بما ذكرنا .
فإن قيل : فإذا رجحتم البينة باليد ، فهلا رجحتم بزيادة العدد ؟
قيل : لأن زيادة العدد لم تفد زيادة على ما أفادته زيادة البينة ، واليد أفادت من زيادة التصرف ما لم تفد البينة ، فلذلك ترجحت البينة باليد ، ولم تترجح بزيادة العدد .
أحدهما : أن تتكافأ البينتان ، ولا تشهد إحداهما بقديم الملك فقد أقام كل واحد منهما بينته بملك جميع الدار التي نصفها بيده ، ونصفها بيد الآخر ، فصار له فيما بيده بينة داخل وفيما في يد صاحبه بينة خارج ، فتعارضت البينتان في الدخول والخروج .
فإن قيل : إن تعارضهما موجب لسقوطهما حلف كل واحد منهما لصاحبه ، وأقرت الدار في أيديهما ملكا باليد والتحالف .
وإن قيل : إن تعارضهما موجب لاستعمالهما وقسم الملك بينهما ، فلا يمين عليهما ، وتجعل الدار بينهما ملكا بالبينة .
والضرب الثاني : أن تشهد بينة أحدهما بقديم الملك وتشهد بينة الآخر بحديث الملك ، فإن لم تجعل الشهادة بقديم الملك ترجيحا للبينة على أحد القولين ، فالجواب على ما مضى من تكافؤ البينتين في جعل الدار بينهما نصفين ، باليد واليمين في أحد القولين ، وبالبينة من غير يمين في القول الثاني ، وإن ترجحت الشهادة بقديم المالك على القول الثاني خلص لصاحبها النصف الذي في يده ، وتقابل في النصف الآخر ، ترجيح بينة بقديم الملك ، وترجيح بينة الآخر باليد ، فعلى قول أبي إسحاق المروزي يحكم به لمن ترجحت بينته بقديم الملك ، فتصير جميع الدار له لأنه يجعل الترجيح بتقديم الملك أقوى من الترجيح باليد وعلى الظاهر من مذهب الشافعي ، وما عليه جمهور أصحابه يحكم بالنصف الآخر لصاحب اليد ، لأنه يجعل الترجيح باليد أقوى من الترجيح بقديم الملك فتصير الدار بينهما نصفين بغير أيمان قولا واحدا لأنه محكوم بينهما في النصفين بترجيح البينتين من غير إسقاط لهما ولا قسمة باستعمالها . والله أعلم .