الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص336
أحدهما : أن المزني يبني هذا على أصل لم يخالف فيه ، وهو أن الشافعي إذا نص على قولين ثم عمل بأحدهما ، أنه يكون إبطالا للقول الآخر .
وعند غيره من أصحابنا أنه لا يكون استعماله إبطالا للآخر ، وإنما يكون ترجيحا له على الآخر .
والجواب الثاني : أن هذه المسألة محمولة على أهل مذهبه في نظائرها ، وهو أن ينظر في البينتين ، فإن تقدمت إحداهما على الأخرى حكم بالمتقدمة على المتأخرة ، سواء كانت بينة الصداق ، أو بينة الابتياع ، لفساد الثاني بعد الأول ، وإن أشكل كانت على الأقاويل الثلاثة في إسقاطها في أحدهما . والإقراع بينهما في الثاني ، واستعمالها في الثالث ، وجعل نصف الدار صداقا ، ونصفهما ابتياعا ، فلم يسلم له دليل ولا صح له استشهاد . والله أعلم .
قال الماوردي : وصورتها في رجل مات مسلما ، وترك ابنين أحدهما متفق على إسلامه قبل موت أبيه ، واختلفا في إسلام الآخر فقال الآخر : أسلمت أنا قبل موت أبي . فالتركة بيننا .
وقال المسلم : بل أسلمت أنت بعد موت أبي فالتركة دونك ، والبينة معدومة ، فلا يقبل قول من ادعى تقدم إسلامه إذا أنكره أخوه لأننا على يقين من حدوث إسلامه ، وفي شك من تقدمه فكان القول فيه قول أخيه ، الذي أنكر تقدم إسلامه ، لأنه يستصحب فيه استدامة أصل متحقق ، بعد أن يحلف الآخر لجواز أن يكون الأخ صادقا في دعواه ، ويمينه على العلم دون القطع بالله ، أنه لا يعلم أن أخاه أسلم قبل موت أبيه لأنها يمين نفي على فعل غيره .
وهكذا لو مات حر وترك ابنين ، أحدهما متفق على حريته قبل موت أبيه والآخر مختلف فيه فادعى تقدم عتقه قبل موت أبيه ، ليكونا شريكين في ميراثه ، وادعى الحر أن أخاه أعتق بعد موت الأب ، فهو أحق بجميع الميراث ، كان القول مع عدم البينة . قول الحر مع يمينه ، بالله أنه لا يعلم أن أخاه أعتق قبل موت أبيه ، وهو أحق بجميع الميراث بعد يمنيه ، لأنه يستصحب أصل رق معلوم ، لم يدع تقدم هذا إذا كان موت