الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص330
والرابع : أن تكون الشهادة بالإسلام مقيدة ، وبالنصرانية مطلقة .
فأما القسم الأول : وهو أن تكون الشهادتان مطلقتين ، فهو أن يقول شهود المسلم : إن أباه مسلم ويقول شهود النصراني إن أباه نصراني . فالتصادق في هذا الاختلاف ممكن ، لأنه قد يكون نصرانيا فيسلم ، ويكون مسلما فيتنصر ، فتكون كل واحدة من الشهادتين صادقة ، فإذا كان كذلك فلا تعارض فيها وحكم بشهادة الإسلام ، لأنها أزيد علما ، لأن نصرانيته أصل ، وإسلامه حادث ، فصار كالشهادة بجرح والتعديل يحكم بالجرح على التعديل ، ويجعل المسلم وارثا دون النصراني .
ويقول شهود النصراني إن أباه مات على دين النصرانية ، قائلا بالتثليث عند خروج روحه .
فهذا تعارض في شهادتهما ، لتكاذبهما باستحالة أن يموت مسلما نصرانيا وللشافعي في تعارض الشهادتين في الأموال ثلاثة أقاويل ذكرها في هذا الموضع :
أحدها : إسقاط البينتين بالتعارض ، لتكاذبهما فيكون الميراث للنصراني دون المسلم استصحابا لأصل دينه في النصرانية بعد أن يحلف المسلم بالله أن أباه لم يسلم .
والقول الثاني : الإقراع بين البينتين ، والحكم بالقارعة منها لأن في القرعة تمييزا لما اشتبه ، وهل يحتاج من قرعت بينته إلى يمين في استحقاق الميراث ؟ على قولين من اختلاف قوليه في القرعة هل ترجح بها الدعوى أو البينة ، فإن قرعت بينة المسلم كان هو الوارث وإن قرعت بينة النصراني كان هو الوارث .
والقول الثالث : استعمال البينتين وجعل التركة بينهما نصفين ، فاختلف أصحابنا في صحة تخريج هذا القول في الميراث كتخريجه في الأموال على وجهين :
أحدهما : وهو قول المزني ، وطائفة معه أن تخريجه في هذا الموضع صحيح استشهادا بذكر الشافعي له ، واحتجاجا من قوله ‘ بأن رجلين لو رميا طائرا ، فسقط ميتا ، ولم يعلم أيهما أثبته برميه أنه بينهما نصفين ، وإن كان إثباته من أحدهما . كذلك الميراث ‘ .
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وطائفة معه أن تخريجه لا يصح في هذا الموضع ، لاستحالة أن يشترك مسلم ونصراني في ميراث ميت ، لأنه إن مات نصرانيا ورثه النصراني دون المسلم ، وإن مات مسلما ورثه المسلم دون النصراني ،