الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص320
أحدهما : ما رواه سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه عن جده أبي موسى الأشعري أن رجلين تداعيا عند رسول الله ( ص ) بعيرا ، أو دابة ، وشهد لكل واحد منهما شاهدان فجعله بينهما نصفين .
والثاني : أن البينة أقوى من اليد ، وقد ثبت أنهما إذا تساويا في اليد جعل بينهما ، فوجب إذا تساويا في البينة ، أن يكون أولى ، بأن يجعل بينهما ، فهذه ثلاثة أقاويل اتفق أصحابنا على تخريجها في تعارض البينتين في الأموال ، واختلفوا في تخريج قول رابع وهو وقفهما على البيان فخرجه البغداديون قولا رابعا للشافعي وامتنع البصريون من تخريجه قولا رابعا ، لأن وقف البينة على البيان يوجب الحكم بالبيان دون البينة ، وإنما يوقف المال على البيان دون البينة ، وهذا أشبه ، فإذا تقررت هذه الأقاويل في تعارض البينتين لم يخرج في تعارضهما في عقد الإجارة إلا قولين :
أحدهما : إسقاطهما ويتحالف المتداعيان .
والقول الثاني : الإقراع بين البينتين ، والحكم بشهادة من قرع منهما .
وفي إحلاف من قرعت بينته قولان ، من اختلاف قولي الشافعي في القرعة هل دخلت ترجيحا للدعوى ، أو للبينة فأخذ قوليه ، أنها دخلت ترجيحا للبينة .
فعلى هذا لا يمين على من قرعت بينته ، لأن الحكم بالبينة ولا يمين مع البينة .
والقول الثاني : أنها دخلت ترجيحا للدعوى ، فيجب إحلاف المدعي .
فعلى هذا يكون فيما ثبت به الحكم وجهان :
أحدهما : باليمين مع البينة ، وتكون يمينه بالله أنه ما شهدته بينته حق ، وقد نص عليه الشافعي .
والوجه الثاني : أن الحكم يثبت بيمينه ترجيحا بالبينة ، وتكون يمينه بالله ، لقد اكتريت منه الدار بكذا .
ولا يجيء فيه تخريج القول الثالث ، أنه يقسم بينهما بالبينتين ، لأن قسمة العقد لا تصح . ولا يجيء فيه تخريج القول الرابع إن صح تخريجه ، أنه يكون موقوفا على البيان لتعذره في الدعوى والبينة ، فوجب أن يفضل الحكم بينهما بالتحالف .
والضرب الثالث : أن تكون البينتان مطلقتين ليس فيهما تاريخ يدل على اجتماعهما أو تقدم إحداهما فقد حكي عن أبي العباس بن سريج ، أنه يحكم بأزيد البينتين ، فإن كان الاختلاف في الأجرة حكم بأكثرهما قدرا .
وإن كان في الكراء حكم بأكثرهما قدرا .