الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص242
فأما قول الشافعي رضي الله عنه : ويطرد المشهود عليه جرحهم ففيه تأويلان : –
أحدهما : معناه يمكنه من جرحهم ، ولا يمنعه منه .
والثاني : معناه يوسع له في الزمان ولا يضيقه عليه .
فأما إن أمسك المشهود عليه من طلب تمكينه من جرحهم ، فإن كان فيما لا يدرأ بالشبهة من حقوق الآدميين . أمسك الحاكم عن إطراد جرحهم ، وإن كان في حد لله تعالى يسقط بالشبهة نظر :
فإن توجه الحد على من يعرف جواز إطراده ، ولم يشعر به ولم يذكره له .
وإن توجه إلى من لا يعرفه ، أعلمه ما يستحقه من إطراد الجرح ، فإن شرع فيه مكنه منه ، وإن أمسك عنه أقام عليه الحد ، لأنه حق له وليس بحق عليه .
قال الماوردي : وهو كذلك في دعوى المشهود عليه جرح الشهود ، لم تقبل دعواه على الإطلاق حتى يفسرها بما يكون جرحا يفسق به ، لاختلاف الناس في الجرح والتعديل . كما لو قال : هذا وارث . لم يقبل منه حتى يذكر ما صار به وارثا لاختلاف الناس في المواريث .
فإذا قال : هذا الشاهد فاسق أو غير مرضي ، أو ليس بمقبول الشهادة .
قيل له : فسر ما صار به فاسقا غير مقبول الشهادة .
فإن فسرها بما لا يكون فسقا ، ردت دعواه وحكم بالشهادة عليه ، وإن فسرها بما يكون فسقا ، كلف بإقامة البينة بالفسق الذي ادعاه ، ليكون الفسق مفسرا في الدعوى والشهادة فإن فسرها المدعي بنوع من الفسق وفسرها المشهود بنوع آخر ، حكم بالفسق مع اختلاف سببه في الدعوى والشهادة ، لأن المقصود ثبوت الفسق ، فلم يؤثر فيه اختلاف أنواعه إذا فسق بكل واحد منها ، وقد يعلم الشهود ما لا يعلمه المدعي .
فأما الشهادة بالتعديل فلا تحتاج إلى التفسير ، وإن كان التفسيق محتاجا إلى تفسير ، لما قدمناه على الصحيح من المذهب ، للفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن العدالة موافقة أصل فاستغنى عن تفسير ، والتفسيق مخالف للظاهر فاحتاج إلى تفسير .