الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص153
استحدثها في كبيره قدحت في عدالته ، لأنه يصير بالمنشأ مطبوعا بها وبالاستحداث مختارا لها .
والوجه الرابع : إن اختصت بالدين قدحت في عدالته كالبول قائما وفي الماء الراكد ، وكشف العورة إذا خلا ، وإن يتحدث بمساوىء الناس ، وإن اختصت بالدنيا لم تقدح في عدالته . كالأكل في الطريق وكشف الرأس ‘ بين الناس ‘ والمشي حافيا ، لأن مروءة الدين مشروعة ومروءة الدنيا مستحسنة .
فأما غير المسترذل كالزراعة والصناعة ، فغير قادح في العدالة ، لأنه ( مما ) لا يستغني الناس عن الاكتساب بصنائعهم ومتاجرهم وقد روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ إن من الذنوب ما لا يكفره صوم ولا صلاة ويكفره عرق الجبين في طلب الحرفة ‘ .
وروي عنه ( ص ) أنه قال : ‘ الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله ‘ .
فإن قيل : فقد روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ أكذب الناس الصباغون والصواغون ‘ .
( قيل ) هذا موقوف على أبي هريرة وليس بمسند ، لأنه سمع قوما يرجفون بشيء فقال : كذبة قالها الصباغون والصواغون .
وإن ثبت مسندا فقد اختلف أهل العلم في تأويله .
فقال بعضهم : لأنهم يعدون ويخلفون . وإخلاف الوعد كذب .
وقال آخرون لأن الصباغين يسمون الألوان بما أشبهها فيقولون : هذا لون الشقائق ولون الشفق ولون النارنج .
والصواغون يسمون الأشكال بما يماثلها ، فيقولون : هذا زرع وهذا شجر ، وتسمية الشيء بغير اسمه كذب .
وقال آخرون : يريدون بالصباغين الذين يصبغون الكلام فيغيرون الصدق