الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص110
والثاني : أن الشرع لما فرق بين قليل المال وكثيره في وجوب الزكاة ، وقطع السرقة لم يمنع من الفرق بينهما في التغليظ .
والكلام في التغليظ يشتمل على فصلين :
أحدهما : جنس ما تغلظ فيه الأيمان من الحقوق .
والثاني : صفة التغليظ بمكانه وزمانه .
فأما الفصل الأول فيما تغلظ فيه الأيمان من الحقوق ، ففيه للفقهاء ثلاثة مذاهب :
أحدها : وهو مذهب طائفة من حكام الحجاز وابن جرير الطبري من أهل العراق : أنها تغلظ في كل قليل وكثير ، لأنه صفة لليمين ، كالبينة التي يستوي حكمها في كل قليل وكثير .
والثاني : وهو مذهب مالك أنها تغلظ فيما يقطع فيه اليد ، ولا تغلظ فيما لا يقطع فيه ، لقول عائشة رضي الله عنها : ‘ لم تكن اليد لتقطع على عهد رسول الله ( ص ) في الشيء التافه ‘ . تدل على أن ما تقطع فيه ليس بتافه ، فكان كثيرا .
والثالث : وهو مذهب الشافعي ، أن ما خرج عن الأموال ، ولم يثبت إلا بشاهدين كالحدود والقصاص ، والنكاح ، والطلاق ، فالأيمان فيه مغلظة ، فيما قل منه أو كثر ، وما ثبت بالشاهد والمرأتين من الأموال ، فتغلظ الأيمان في كثيره دون قليله ، وكثيره عشرون دينارا ؛ لحديث عبد الرحمن بن عوف ، حين مر بقوم يحلفون بين البيت والمقام ، فقال : أعلى دم ؟ قالوا : لا . قال : أفعلى عظيم من المال ؟ قالوا : لا . قال : لقد خشيت أن يتهاون الناس بهذا المقام . فعقل السامعون لقوله من أهل العلم ، أنه أراد بالعظيم من المال عشرين مثقالا ، فصار هذا المقدار أصلا في تغليظ الأيمان .
فإن قيل : فإذا جعلتم هذا قدرا في التغليظ ، فهلا جعلتموه قدرا في الإقرار إذا أقر بمال عظيم أن لا يقبل منه أقل من عشرين دينارا ، وأنتم تقبلون منه ما قل وكثر ؟
قيل : لأنه في الإقرار متردد الاحتمال بين إرادة القدر ، وإرادة الصفة ، وفي التغليظ لا يحتمل إلا إرادة القدر ، فلذلك جعلناه قدرا في التغليظ ، لأنه لا يحتمل غيره .
وإذا كان هكذا ، فقد اختلف أصحابنا في تقديره بالعشرين على وجهين :
أحدهما : لأنها نصاب في الزكاة ، ليكون المقدار معتبرا بأصل مشروع ، فعلى