الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص108
وجوز أبو حنيفة تغليظها بالعدد ، واللفظ ، ومنع من تغليظها بالمكان والزمان ، واستبدعه من الحكام احتجاجا برواية ابن عباس أن النبي ( ص ) قال : ‘ البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه ‘ فأطلق اليمين ، كما أطلق البينة ، فوجب أن تحمل على إطلاقها من غير تغليظ بمكان وزمان كما حملت البينة على إطلاقها من غير تغليظ بمكان وزمان ولأن اليمين حجة المطلوب ، والبينة حجة الطالب . فلو جاز التغليظ في حجة أحدهما لجاز في حجتهما ، لوجوب التسوية بينهما . وفي سقوطها من حجة الطالب دليل على سقوطها من حجة المطلوب ، ولأنه لو جاز تغليظهما في بعض الحقوق لجاز تغليظهما في جميع الحقوق ، لأن ما استحق في الكثير كان مستحقا في القليل ، كالبينة واليمين ، فلما لم يعتبر التغليظ في القليل لم يعتبر في الكثير .
ودليلنا : ما رواه صفوان بن سليم عن عبد الله بن أبي أمامة عن أبيه أن رسول الله ( ص ) قال : ‘ من حلف عند منبري ( وروي : على منبري ) بيمين آثمة ، تبوأ مقعده من النار ولو قضيب من أراك ‘ .
فدل على أن تغليظ اليمين بالمنبر مشروع ، والحالف عنده مزجور ، ولأن عمل الصحابة به شائع ، وإجماعهم عليه منعقد .
روى المهاجر بن أبي أمية قال : كتب إلي أبو بكر الصديق أن أبعث إليه بقيس بن المكشوح في وثاق ، فبعثت به ، فأحلفه في قتل على المنبر خمسين يمينا .
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه توجهت عليه اليمين في خصومه كانت بينه وبين أبي بن كعب في أرض ، فحلف على المنبر ، ثم وهب له الأرض بعد يمينه . وأحلف عمر أهل القسامة في الحجر .
وروي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه توجهت عليه اليمين ، وهو على المنبر في أربعين ألف درهم ، فأتقاها ، ودفع المال ، وقال : أخاف أن يوافق قدر بلاء ، فيقال : بيمينه ‘ .
وروي أن ابن أبي مطيع ، وزيد بن ثابت اختصما إلى مروان بن الحكم ، وكان واليا على المدينة ، فتوجهت اليمين على زيد ، فأمره مروان أن يحلف على المنبر ، فجعل زيد يمتنع ، ويحلف بالله أن حقه لحق ، فقال مروان : لا والله إلا عند مقاطع الحقوق ، فامتنع ، وجعل مروان يعجب من ذلك ‘ .