الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص89
المروزي أنها مصورة في رجل مات وخلف دارا على ورثة من بنين وبنات وزوجات ، فادعى أحد بنيه أن أباه وقف هذه الدار عليه ، وعلى أخويه هذين دون باقي الورثة ، وصدقه الأخوان على الدعوى ، فيكون دعوى الإخوة على أبيهم .
والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنها مصورة في رجل أجنبي خلف دارا على ولده ، فادعى أجنبي منه أن صاحبها وقفها عليه ، وعلى إخوته .
وتصويرها على الوجه الأول أشبه بكلام الشافعي من الوجه الثاني ، وإن كان للثاني في الاحتمال وجه ضعيف ، وليس هذا الاختلاف في صورة المسألة موجبا للاختلاف في حكمها على كل واحد من الوجهين ، وإن اختلفت الأحكام باختلاف الصورة ، ونحن نذكرهما معا .
فأما تصويرها على الوجه الأول ، وهو : أن يقول المدعي ، إن أبي وقف داره هذه علي وعلى إخوتي دون غيرنا من شركائنا في الميراث ، فإذا انقرضنا ، فهي على أولادنا ما بقوا ، ثم على المساكين إذا انقرضوا ، فإن صدقه الباقون من الورثة كانت الدار وقفا عليهم ، ثم على أولادهم ، ثم على المساكين بإقرار الورثة من غير يمين يلزم المستحقين لوقفها من البطن الأول ، ومن بعدهم من البطون .
وإن أنكر الباقون من الورثة أن تكون وقفا ، وأقام مدعوها شاهدين صارت وقفا بإقرار الميت عند الشاهدين ، وإن أقاموا شاهدا واحدا ، وقيل بأن الوقف يثبت بالشاهد واليمين ، وهي مسألة الكتاب ، لم يخل حال الإخوة الثلاثة من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يحلفوا مع شاهدهم .
والثاني : أن ينكلوا .
والثالث : أن يحلف بعضهم ، وينكل بعضهم ، فإن حلفوا جميعا كانت الدار وقفا عليهم ، ومنفعتها بينهم على سواء من غير تفضيل ، لأنها عطية مطلقة كالهبة ، ولا حق فيها لأولادهم ما بقي أحدهم ، لأنها مصورة في ترتيب البطن الأول على الثاني ، فإن مات الإخوة الثلاثة لم يخل انقراضهم من أن يكون معا في حال واحدة أو ينقرضوا واحدا بعد واحد ، فإن انقرضوا معا انتقل الوقف إلى أولادهم ، واختلف في استحقاقهم له هل يكون بأيمانهم أو بأيمان آبائهم على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي العباس بن سريج أنهم لا يستحقونه إلا بأيمانهم مع شاهد آبائهم ، لأنهم يستحقونه عن الواقف لا عن آبائهم ، فلما استحقه الآباء بأيمانهم وجب أن يستحقه الأبناء بأيمانهم .