الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص60
شهادة بعضهم على بعض قبل افتراقهم ، لانتفاء التهمة عنهم ، ولم يجز بعد افتراقهم لتوجه التهمة إليهم والدليل على رد شهادتهم قول الله تعالى : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ) [ البقرة : 282 ] فدلت هذه الآية على المنع من قبول شهادة الصبيان من ثلاثة أوجه :
أحدها : قوله : ( من رجالكم ) وليس الصبيان من الرجال .
والثاني : أنه لما عدل عن الرجلين إلى أن قال : ( فرجل وامرأتان ) دل على أنه لا يعدل إلى غيرهم من الصبيان .
والثالث : أنه قال : ( ممن ترضون من الشهداء ) وليس الصبيان ممن يرضى من الشهداء .
وروى علي بن أبي طالب عليه السلام أن النبي ( ص ) قال : ‘ رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم ، وعن النائم حتى ينتبه ، وعن المجنون حتى يفيق ‘ فلما كان القلم مرفوعا عنه في حق نفسه إذا أقر ، كان أولى أن يرفع في حق غيره ، إذا شهد ، ولأن الشهادة في الأموال أخف منها في الدماء ، وهي غير مقبولة منهم في الأموال ، فأولى أن لا تقبل في الدماء .
ولأنه لو جاز لأجل اعتزالهم عن الرجال أن تقبل شهادة بعضهم على بعض ، لجاز لأجل اجتماع النساء في الحمامات والأعراس ، أن تقبل شهادة بعضهن على بعض ، وهي لا تقبل مع الضرورة مع جواز قبولهن مع الرجال في الأموال ، فالصبيان الذين لا تقبل شهادتهم مع الرجال فأولى أن لا تقبل في الانفراد ، وبه يبطل استدلالهم .
وقضاء ابن الزبير مع خلاف ابن عباس يمنع من انعقاد الإجماع . والقياس مع ابن عباس ، لأن كل من لم تقبل شهادته في الأموال لم تقبل في الجراح ، كالفسقة .
قال الماوردي : أما المملوك فقد ذكرنا أن شهادته غير مقبولة ، وكذلك من بقيت فيه أحكام الرق ، وإن انعقدت له أسباب العتق من المدبر ، والمكاتب ، وأم الولد ، ومن رق بعضه وعتق بعضه لا تقبل شهادتهم ، لجريان أحكام الرق عليهم ، فإذا تكامل عتق أحدهم وصار حرا قبلت شهادته ، وإن كان ولاء العتق جاريا عليه ، وهو من أحكام
