الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج17-ص14
والثاني : أنه سمع شهادة الزور على أنها ليست بزور ، كما يسمع شهادة العبد على أنه ليس بعبد ، فلما كان خطؤه في العبد مبطلا لحكمه في الحالين وجب أن يكون خطؤه في شهادة الزور مبطلا لحكمه في الحالين ، ولأنه يصير بشهادة الزور فاسقا وحكمه بشهادة الفاسق مردود في الحالين نصا ، ورد شهادة العبد في الحالين اجتهادا ، ثم من الدليل على ذلك أن الحكم يبطل بفساد الشهادة كما يبطل إذا خالف باجتهاده نصا ، فلما كان فساده مخالفة النص يبطل ظاهرا وباطنا وجب أن يكون فساد بشهادة موجبا لإبطاله ظاهرا وباطنا .
فإن قيل : ما خالف النص لا يكون حكما .
قيل : وكذلك ما أمضاه بشهادة الزور لا يكون حكما ، ولأنه حكم بشهادة زور ، فوجب أن يكون باطلا كالحكم بالقصاص .
فأما الجواب عن حديث علي عليه السلام من قوله : شاهداك زوجاك ، فمن ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مجهول عند أصحاب الحديث ، فكان أسوأ حالا مما ضعف إسناده .
والثاني : أنه لم يعلم كذب الشهود ، فلم يبطل شهادتهم ، والخلاف إذا علمها .
والثالث : أنهم لا يحملونه على قوله : شاهداك زوجاك ، لأنهم يجعلون الحاكم مزوجا لها دون الشاهد ، وقد كان شريح يقضي في أيام علي ، فإذا حكم لرجل بشاهدين ، قال له : يا هذا إن حكمي لا يبيح لك ما هو حرام عليك ، ولو خالفه علي فيه لأنكره عليه .
وأما الجواب عن قياسهم على شهادة الصدق فهو استحالة الجمع بينهما بالقبول ؛ لقبول الصدق ورد الكذب ونفوذ الحكم في الظاهر ، لاستوائهما في الجهل بالكذب ، ولو علم لما نفذ في الظاهر كما لم ينفذ في الباطن .
وأما الجواب عن قياسهم على اللعان ، فمن وجهين :
أحدهما : أن الحكم لم ينفذ بالكذب ، وإنما نفذ باللعان .
والثاني : أن اللعان استئناف فرقة والحكم بشهادة الزور ، إنما هو تنفيذ لفرقة سابقة فإذا لم تكن لم يصح تنفيذ معدوم .
وأما الجواب عما استدلوا به من حكم الحاكم من مسائل الاجتهاد ، فهو أن ليس في الباطن ما يخالف الظاهر ، فلذلك نفذ حكمه في الظاهر والباطن ، وخالف شهادة الزور التي تخالف الظاهر فيها الباطن ، فلذلك نفذ حكمه في الظاهر دون الباطن ، وسنشرح من فروع هذا الأصل ما يستقر به حكمه .
