الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص310
وأما القسم الثاني : وهو أن ينكر الدعوى ، فيجوز للقاضي أن يقول للمدعي : قد أنكرك ، ويجوز أن يقول له قد سمعت إنكاره ، بخلافه في الإقرار الذي قدمناه لتردد الإقرار بين صحة وفساد ، وعدمه في الإنكار .
ويكون القاضي في إخباره بالإنكار بين خيارين .
إما أن يقول له : قد أنكرك فهل لك بينة ؟ وإما أن يقول له : قد أنكرك فما عندك فيه ؟ .
والأول أولى ، مع من جهل ، والثاني أولى مع من علم .
ويكون الحكم في إنكار الدعوى موقوفا على بينة المدعي في إثبات الحق بها ، وعلى يمين المنكر عند عدمها لإسقاط المطالبة بها .
وللمدعي للخيار في إقامة البينة ؛ لأنها من حقوقه ، فلم يجبر على إقامتها .
وللمنكر الخيار في اليمين ؛ لأنها من حقوقه ، فلم يجبر على الحلف بها والحكم فيها ، على ما سنذكره .
فلو أنكر المدعى عليه ، وقال : ما لك علي شيء ، فقال له المدعي : نعم كان تصديقا له على الإنكار وبطلت به دعواه .
ولو قال : بلى ، كان تكذيبا له على الإنكار ، ولم تبطل به دعواه .
والفرق بينهما أن نعم جواب الإيجاب ، وبلى جواب النفي .
وهذا حكمه فيمن كان من أهل العلم بالعربية .
وفي اعتباره فيمن كان من غير أهل العلم بها وجهان على ما ذكرنا في كتاب الإقرار .
وأما القسم الثالث : وهو أن لا يقر بالدعوى ولا ينكرها ، فله حالتان :
إحداهما : أن يكون غير ناطق لخرس أو صمم .
فإن كان مفهوم الإشارة صار بها كالناطق فيجري عليه حكم الناطق .
وإن كان غير مفهوم الإشارة صار كالغائب فيجري عليه حكم الغائب .
والحال الثانية : أن يكون ناطقا فامتناعه من الإقرار والإنكار قد يكون من أحد وجهين :
إما بأن يقول : لا أقر ولا أنكر ، وأما بأن يسكت فلا يجيب بشيء فيجري عليه حكم الناكل .