الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص282
القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يده حتى رأينا عفرة إبطيه ثم قال اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت ‘ .
فدلت هذه الأخبار على منع الولاة من قبول الهدايا .
فإن قيل : فقد قبل رسول الله ( ص ) الهدايا من المسلمين وغيرهم من ملوك الأقطار ، وقال : ‘ لو أهدي إلي ذراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع لأجبت ‘ .
قيل عنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أن الله تعالى قد ميزه عن الخلق فقال : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) وفي بعض القراءات وهو أب لهم ‘ فصار في اختصاصه كالأب فباين من عداه .
والثاني : أنه ( ص ) قد كان يكافئ على الهدايا وكان أكثر من يهاديه طالبا لفضل الجزاء ، ولذلك لما أهدى إليه الأعرابي ناقة ، لم يزل يكافئه حتى رضي .
والثالث : أنه بعيد من الميل منزه عن الظنة طاهر العصمة فامتنع أن يقاس بغيره .
وإذا كان كذلك فالمهاداة فيمن عدا الولاة مستحبة في البذل ومباحة في القبول ، لقول النبي ( ص ) ‘ تهادوا تحابوا ‘ .
وأما مهاداة الولاة فهم ثلاثة أصناف : ولاة سلطنة ، وولاة عمالة ، وولاة أحكام .
فأما الصنف الأول : وهم ولاة السلطنة ، فكالإمام الأعظم ومن قام مقامه ، فكل الناس تحت ولايته ومن جملة رعيته . ولا تخلو مهاداته من أن تكون من أهل دار الإسلام أو من أهل دار الحرب .
فإن هاداه أهل الحرب ، جاز له قبول هداياهم ، كما يجوز له استباحة أموالهم .
وينظر في سبب الهدية فإن كانت لأجل سلطانه فسلطانه بالمسلمين فصارت الهدية لهم دونه فكان بيت ما لهم بها أحق .
وإن هاداه أهل الحرب لما لا يختص بسلطانه من مودة سلفت جاز أن يتملكها .
وإن هادوه لحاجة عرضت فإن كان لا يقدر على قضائها إلا بالسلطنة كان بيت المال أحق بها منه .
وإن كان يقدر عليها بغير السلطنة كان أحق بها من بيت المال .
فيكون حكم هداياهم منقسما على هذه الأقسام الثلاثة .
