الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص243
وخالفنا بعض من وافقنا في كتب القضاة : أن كتب الخلفاء والأمراء إلى القضاة ومن القضاة إلى الأمراء تقبل بغير الشهادة في التحمل والأداء لأمرين :
أحدهما : هو فرق ما بينهما في العرف المستمر .
والثاني : صيانة السلطان فما يباشر غيره وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أنه لما لم تنفذ كتب القضاة في الأحكام إلا بالشهادة مع ظهورهم كان ذلك في كتب الخلفاء والأمراء مع احتجابهم أولى .
والثاني : أن القضاة فروع الخلفاء ، وحكم الأصول إذا لم يكن أقوى من حكم الفروع لم يكن أضعف .
فأما كتبهم في الأوامر والنواهي والكتب إليهم في الأعمال والأموال فمقبولة ، على ما جرت به العادة في أمثالها ، مختومة مع الرسل الثقاة لأنها تكثر والتزوير فيها يظهر والهيئة فيها تمنع والاستدراك فيها ممكن فمن هذه الوجوه خالفت كتب القضاة في أحكام الرعايا .
وإذا كتب قاضي أهل البغي إلى قاضي أهل العدل كتابا في حكم بحق ، نظر : كإن كان ممن لا تقبل شهادته لأنه يشهد لموافقه بقوله كالخطابية لم يقبل كتابه لأنه قد يحكم لموافقه بقوله .
وإن كان ممن تقبل شهادته ، ففي قبول كتابه بالحكم قولان :
أحدهما : نص عليه الشافعي في كتاب ( قتال أهل البغي ) ، أنه يجوز لقاضي أهل العدل أن يقبل كتاب قاضي أهل البغي ، لأنه لما كانت أحكامهم ممضاة لا يرد منها إلا ما يرد من حكم قاضي أهل العدل ، وجب أن تكون أحكام كتبهم كذلك .
والقول الثاني : قاله في القديم ليس لقاضي أهل العدل أن يقبل كتاب قاضي أهل البغي .
وقد قال في هذا الكتاب :
ويقبل كل كتاب لقاض عدل ، فكان دليل هذا القول أن لا يقبل كتاب من ليس من أهل العدل .
وإنما لم يقبل كتابه وإن لم ننقض حكمه .
لأن الحكم لا ينقض إلا بعد العلم بفساده والكتاب لا يقبل إلا بعد العلم بصحته . فافترقا .
