الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص214
والدليل على فساد ما ذهبوا إليه ما روي أن رجلا ادعى على رجل عند رسول الله ( ص ) حقا غائبا فقال له رسول الله ( ص ) ‘ شاهداك ، أو يمينه ‘ فجعل الحكم مقصورا على الشهادة دون الكتاب .
ولأن نقل ما غاب عن القاضي لا يثبت إلا بالشهادة دون الخط قياسا على خطوط الشهود إذا كتبوا إلى القاضي بشهادتهم لم يحكم بها كذلك كتب القضاة .
ولأن الخطوط تشتبه ، والتزوير على أمثالها ممكن ، فلم يجز مع هذا الاحتمال أن يعمل بها مع إمكان ما هو أحوط منها ، كما لم يجز أن تقبل شهادة الأعمى ؛ لأنه قد يجوز أن تشتبه عليه الأصوات ، وعدل عنه إلى شهادة البصير لانتفاء الاشتباه عنه .
ولأن ما أمكن العمل فيه بالأقوى لم يجز العمل فيه بالأضعف ، كالشهادة على العقود ، لما أمكن أن تسمع من الشاهد لم يجز أن تسمع من المخبر .
فأما الجواب عن كتب رسول الله ( ص ) فمن وجهين :
أحدهما : أنها كانت ترد مع رسل يشهدون بها .
والثاني : أنها تجري مجرى الأخبار التي يخف حكمها لعمومها في التزامها والشهادة محمولة على الاحتياط تغليظا لالتزامها .
وأما الجواب عن دعوى الاستفاضة فهو أنه غير مسلم ثم هي استفاضة فعل مخصوص وليس باستفاضة اعتقاد عام .
فإذا ثبت أن كتب القضاة إلى القضاة لا تقبل بالخطوط حتى يشهد بها عدول الشهود فالكلام في صحتها ولزوم الحكم بها يشتمل على أربعة فصول :
أحدها : فيما يكتب به القاضي من أحكامه .
والثاني : فيمن يكاتبه القاضي بحكمه .
والثالث : فيما يجب به قبول كتبه .
والرابع : فيما يمضيه القاضي المكتوب إليه من حكمه .
فأما الفصل الأول : فيما يكتب به القاضي من أحكامه فأحكامه تنقسم أربعة أقسام :
أحدها : أن يحكم لحاضر على حاضر بحق حاضر .
والثاني : أن يحكم لحاضر على حاضر بحق غائب .