الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص209
حدثني ربيعة عني عن أبي هريرة : ‘ أن رسول الله ( ص ) قضى باليمين مع الشاهد ‘ ، فإذا جاز أن يرجع إلى غيره فيما رواه جاز أن يرجع إليه فيما حكم به . ولأنه كما جاز أن يسمع الشهادة على حكم غيره جاز أن يسمعها على حكم نفسه .
ودليلنا : قول الله تعالى : ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) [ القيامة : 14 ] .
فوكله في فعله إلى نفسه ، ولم يكله إلى غيره .
ولأنه لما لم يجز أن يعمل على شهادة غيره ؛ أنه قد صلى حتى يعلم ذلك من نفسه وحقوق الله تعالى أوسع حكما من حقوق العباد ، كان بأن لا يسمع الشهادة على حكمه لغيره وعلى غيره أولى ، ولأن الشهادة أخف من الحكم ، لما في الحكم من الإلزام الذي لا تتضمنه الشهادة .
ثم ثبت أن الشاهد إذا نسي شهادته فشهد بها عنده لم يجز أن يعمل على الشهادة فيما يشهد به ؛ فكان الحكم بذلك أولى .
وأما الجواب عن قصة ذي اليدين فمن وجهين :
أحدهما : أنه تذكر بقولهم فعمل على ذكره .
والثاني : أن قولهم أحدث له شكا ، والشك في الصلاة يوجب العمل فيها على اليقين ، وبهما يجاب عن قصة الهرمزان .
وأما الجواب عن رواية الأخبار ، فلسعة حكمها جاز فيها ما لم يجز في غيرها .
وأما الجواب عن سماع غيره للشهادة ، فهو أن غيره يعمل على غلبة الظن ، فجاز أن يعمل على الشهادة بغلبة الظن ، وهو يعمل في فعل نفسه على اليقين ، فلم يجز أن يعمل بغلبة الظن في الشهادة حتى يقطع بيقين نفسه .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا شهد الشهود عند غيره من القضاة بما حكم به لم يخل حال رده لشهادتهم من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يردها ؛ لأنه لم يذكر حكمه بها وهو لا يرى سماع الشهادة على حكم نفسه ، فيجوز لغيره من القضاة إذا شهد الشهود عنده بما حكم به أن يقبل شهادتهم ويعمل عليها ويحكم بها ، لما قدمناه في الجواب من الفرق بينه وبين غيره في أن فعل نفسه محمول على يقينه وفعل غيره محمول على غلبة الظن ، وسواء كان القاضي الذي حكم حيا أو ميتا واليا أو معزولا ، وهذا متفق عليه .
والحال الثانية : أن يكون القاضي الذي قد حكم قد أكذب الشهود عنده وردهم