الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص206
فإذا تكاملت حجج السنة كلها أفردها وكتب على ما اشتمل عليها حجج سنة كذا .
ثم يفعل مثل ذلك كل سنة ، وتكون جميعها تحت ختمة في أوعيته .
ويختم بعد ذلك على خزانته ، ويكون الخاتم في يده ولا يسلمه إلى غيره ، إلا مع مشاهدته ، لئلا يتم فيه احتيال إذا فارقه وبعد عنه .
قال الماوردي : وهذا صحيح إذا حضر القاضي خصمان وذكر الطالب منهما أن في ديوان القضاء حجة له على خصمه وسأله إخراجها والحكم بها وعرض عليه مثل نسختها التي بيده لم يعمل عليها وأخرج نسخة ديوانه ووقف عليها .
فإذا عرف صحتها وذكر حكمه فيها عمل على ما ذكره وألزم الخصم ما حكم به .
وإن عرف صحة خطه ولم يذكر وقت حكمه لم يجز أن يحكم بخطه وإن صح في نفسه .
وبه قال أبو حنيفة ومحمد .
وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف : يجوز أن يحكم بخطه إذا عرف صحته وإن لم يذكره .
وهو عرف القضاة في عصرنا .
استدلالا بأمور منها : أنه قد فعل من الاحتياط بالخط والختم والحفظ غاية ما في وسعه ، فلو لم يعمل عليه لتأهت به الحقوق ، ولبطلت به الأحكام ، ولما احتاج إلى ما فعله من الاحتياط . ومنها : أن العمل به مستفيض والإنكار فيه مرتفع .
ومنها : أنه لما جاز للراوي أن يروي أخبار الديانات من كتابه إذا وثق بصحته كانت الأحكام بذلك أولى .
وهذا ليس بصحيح لقول الله تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) [ الإسراء : 36 ] ، وما أمضاه بخطه ولم يذكره فقد قفا ما لم يعلمه ، ولأن الحكم أغلظ من الشهادة ، لما تضمنه من الإلزام ، فلما لم تجز الشهادة بمعرفة الخط إلا مع الذكر كان الحكم بذلك أحق .