الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص130
وقالت طائفة من أهل العراق : ليس بمأجور عليه ولا مأثوم فيه .
ودليلنا قول النبي عليه السلام : ‘ إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر ‘ .
وكان شيخنا أبو القاسم الصيمري لأجل هذا يقول : إن كل مجتهد مصيب في أنه أدى ما كلف من الاجتهاد ، مخطئ للحكم الذي أراده الله تعالى إلا واحدا . وليس هذا بصحيح لأنه كلف الاجتهاد المؤدي إلى الصواب ولم يكلف الاجتهاد المؤدي إلى الخطأ ، وإنما استحق الأجر بنيته في طلب الحق وبما تكلفه من الاجتهاد الذي اعتقد أنه حق وإن لم يكن بحق .
وقد روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ نية المرء من خير من عمله ‘ .
وفيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن نيته في الاجتهاد خير من خطئه في الاجتهاد .
والثاني : يعني أن نيته خير من خيرات عمله .
والثالث : أن النية أوسع من العمل ؛ لأنها تسبق الأقوال والأفعال فيعجل الثواب عليها .
وأما الاستنباط : وهو المقدمة الثانية من مقدمتي القياس فهو من نتائج الاجتهاد فكان فرعا له واصلا للقياس ؛ لأن الوصول إلى استنباط المعاني تلو الاجتهاد في الدلائل ، وصحة القياس تكون بعد استنباط المعاني ، فلذلك صار الاستنباط فرعا للاجتهاد واصلا للقياس .
والاستنباط مختص باستخراج المعاني من ألفاظ النصوص ، مأخوذ من استنباط الماء الذي استخرج من معدنه ، ومنه سمي النبط لاستنباطهم الماء بالاستخراج له من معادنه .
وقد جعل الله تعالى للأحكام أعلاما هي أسماء ومعان .
فالأسماء ألفاظ ظاهرة تعرف بالبديهة .
والمعاني علل باطنة تعرف بالاستنباط .
فيكون الحكم بالاسم مقصورا عليه وبالمعنى متعديا عنه ، فصار معنى الاسم أحق بالحكم من الاسم ، لعموم المعنى بالتعدي ، وخصوص الاسم بالوقوف .
ولئن كانت العاني تابعة للأسماء ، لأنها مستودعة فيها فالأسماء تابعة لمعانيها .
