الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص123
وأما جواز اجتهاد غير الأنبياء في زمان الأنبياء كاجتهاد الصحابة في زمن الرسول ( ص ) فينقسم ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون المجتهد غائبا عن مدينة الرسول ( ص ) غير قادر على سؤاله في وقته فله حالتان :
إحداهما : أن يكون له ولاية من رسول الله ( ص ) كعلي ومعاذ حين بعثهما إلى اليمن داعيين إلى الإسلام وحاكمين بين الخصوم وواليين على الصدقات ، فيجوز اجتهاد ذي الولاية في عصر الرسول ( ص ) لأن معاذا أخبر رسول الله ( ص ) باجتهاد رأيه فاستصوبه وحمده . وسواء اجتهد في حق نفسه أو في حق غيره ، ولا يلزمه إذ قدم على الرسول أن يسأله عما اجتهد فيه وإن كان سؤاله مستحبا ، ويكون ما اجتهد فيه أثرا متبوعا ما لم يرد عن الرسول ( ص ) خلافه كما اتبع معاذ في قوله : ‘ أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته في مخلاف عشيرته والمخلاف القرية . وإنما اختص المولى بذلك ، لأن في الولاية إذنا بالاجتهاد فيما تضمنها .
والحالة الثانية : أن لا يكون للمجتهد ولاية فله حالتان :
إحداهما : أن يظفر بأصل من كتاب أو سنة فيجوز اجتهاده في الرجوع إلى الاستدلال بالظاهر منهما ولا يلزمه إذا قدم على الرسول أن يسأله عما اجتهد فيه ، لأنه قد أخذ بأصل لازم .
والحالة الثانية : أن يعدم أصلا من كتاب أو سنة فلا يجوز أن يجتهد في حق غيره لعدم ولايته .
فأما اجتهاده في حق نفسه : فإن كان فيما يخاف فواته جاز اجتهاده فيه وعليه إذا قدم على الرسول ( ص ) أن يسأله عنه ، وليس عليه أن يهاجر إليه لأجل السؤال .
وإن كان مما لا يخاف فواته ففي جواز اجتهاده وجهان :
أحدهما : لا يجوز أن يجتهد ، لأنه لا يصح منه أن يشرع وعليه أن يسأل ليعمل بما كلف .
والوجه الثاني : يجوز أن يجتهد إذا كان من أهل الاجتهاد ويعمل باجتهاده لقول النبي ( ص ) : ‘ بعثت بالحنيفية السهلة السمحة البيضاء ‘ .
فعلى هذا في جواز تقليده في اجتهاده وجهان :