الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص121
وإن كان اجتهاده في المثل من جزاء الصيد كانت صحة اجتهاده فيه معتبرة بمعرفة الأشباه في ذي المثل ومعرفة القيم في غير ذي المثل ثم على هذه العبرة فيما عداه .
أحدهما : جواز اجتهاد الأنبياء .
والثاني : جواز الاجتهاد في زمان الأنبياء .
فأما اجتهاد الأنبياء فقد اختلف فيه أهل العلم .
فذهب بعض الأئمة إلى أنه لا يجوز للأنبياء أن يجتهدوا ولا لنبينا ( ص ) أن يجتهد لقدرتهم على النص بنزول الوحي عليهم وقد قال الله تعالى : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) [ النجم : 3 ] ولأن النبي ( ص ) توقف في إحرامه ولم يجتهد حتى نزل عليه القضاء وتوقف في اللعان حتى نزل عليه القرآن . وتوقف في ميراث الخالة والعمة حتى نزل عليه جبريل بأن لا ميراث لهما . ولو ساغ له الاجتهاد لسارع إليه ولم يتوقف .
وذهب جمهور أهل العلم وهو الظاهر من مذهب الشافعي أن النبي ( ص ) ولغيره من الأنبياء أن يجتهدوا لقوله تعالى ( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان ) [ الأنبياء : 78 – 79 ] ولو لم يكن اجتهاد الأنبياء سائغا وكان جميع أحكامهم نصا لما أخطأ داود ولا أصاب سليمان . ولأن النبي ( ص ) قد اجتهد في أسرى بدر وفيمن اشترط رده في صلح الحديبية .
فأما توقفه في اللعان وفي ميراث الخالة والعمة فليعلم هل ينزل عليه نص فلا يجتهد أو يتأخر عنه فيجتهد ، ولأن جواز الاجتهاد فضيلة فلم يجز أن يدفع عنها الأنبياء وإنما الوحي بحسب الأصلح .
فإذا صح اجتهاده فقد اختلف أصحابنا في وجوبه وجوازه على وجهين :
أحدهما : أنه جائز ، وليس بواجب ، لأن للأحكام أصلا هو الكتاب .
والوجه الثاني : أنه واجب عليه ، لأن الأحكام مأخوذة من سنته إذا خلا الكتاب منها .
وعندي أن الأصح من إطلاق هذين الوجهين أن يكون اجتهاده واجبا عليه في حقوق الآدميين ، وجائزا له في حقوق الله تعالى ، لأنهم لا يصلون إلى حقوقهم إلا باجتهاده ، فلزمه وإن أراد الله تعالى منه الاجتهاد في حقوقه أمره .