الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص119
والمقيد والمطلق على ما قدمناه من قبل فإن قصر فيها لم يجز أن يجتهد .
والثالث : الفطنة والذكاء ليصل به إلى معرفة المسكوت عنه من أمارات المنطوق به .
فإن قلت : فيه الفطنة والذكاء لم يصح منه الاجتهاد .
والرابع : أن يكون عارفا بلسان العرب وموضوع خطابهم ومعاني كلامهم . لأن الكتاب والسنة وهما أصل الشريعة وردا بلسان العرب .
أما الكتاب مع ظهور لسانهم فيه فقد قال الله تعالى : ( وأنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين . . . إلى قوله بلسان عربي مبين ) [ الشعراء : 192 : 195 ] .
ولم يقل هذا على وجه الإخبار به ، لأنه مشاهد .
والمراد به يحتمل أمرين .
أحدهما : أن لا ينقل إلى غيره من ألسنة الأمم المختلفة إبطالا لمن جوز ذاك فيه .
والثاني : أنه ليس فيه من ألفاظ العجم شيء وإن اتفق لسان العرب والعجم في بعض الألفاظ ، إبطالا لقول من زعم أن في القرآن ألفاظا أعجمية كالسندس ، والاستبرق ، والقسطاس .
وأما السنة في ورودها بلسان العرب فلقول الله تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) [ إبراهيم : 4 ] ولأن العرب أول من أنذر بالقرآن ودعوا إلى الإسلام وكلفوا الفروض والأحكام .
فإن قيل : فقد كان من تقدم من الأنبياء مبعوثا إلى قومه خاصة فجاز أن يكون مبعوثا بلسانهم ومحمد ( ص ) مبعوث إلى جميع الأمم فلم صار مبعوثا بلسان بعضهم ؟ قيل لا تخلو رسالته إليهم من أن تكون بجميع ألسنتهم وهذا خارج عن العرف المستطاع أن يرد كل فرض في القرآن مكررا بكل لسان .
وإذا خرج عن هذا ووجب أن يكون بأحد الألسن كان لسان العرب به أحق لثلاثة أمور :
أحدها : أنهم أول المخاطبين به .
والثاني : أن لسانهم أوسع وكلامهم أفصح .
والثالث : لفضل المتبوع على التابع ورسول الله ( ص ) عربي النسب والدار واللسان وهو أفضل متبوع فكان لسانه متبوعا أولى من أن يكون تابعا .