الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص116
يكون حجة في غيرها ، إلا أن يكون القياس موجبا لاستصحاب حكمه ، فإن الإجماع أصل يجوز القياس عليه ، فيكون القياس هو الذي أوجب استصحاب حكم الإجماع ، لا الإجماع .
وإنما كان كذلك ؛ لأنه لما ساغ الاجتهاد فيما عدا حالة الإجماع ولم يسغ الاجتهاد في حالة الإجماع دل على افتراقهما فيه ، ولم يلزم أن يساويه في حكم . فأما حمل الطهارة على اليقين فلأن الشرع لم ينصب عليها دليلا .
وذهب بعض أصحابنا إلى أن استصحاب الحال إن لم يعارضه دليل يجوز أن يجعل دليلا .
وقوله مدفوع بما ذكرنا .
ويتفرع على هذا : إذا اختلف أهل الاجتهاد في حكم فأثبته بعضهم ونفاه بعضهم :
قال داود وأهل الظاهر : لا دليل على النافي ويجب الدليل على المثبت استصحابا لحكم الأصل في النفي كما تجب البينة على المدعي دون المنكر .
وعند الشافعي وجمهور الفقهاء أن الدليل يجب على النافي كوجوبه على المثبت وأنه لا يجوز له نفي الحكم إلا بدليل كما لا يجوز له إثباته إلا بدليل : لأن الله تعالى قد نصب على الأحكام أدلة الإثبات والنفي . والنافي للحكم مثبت لضده فلم يجز نفيه إلا بدليل كما لم يجز له إثباته إلا بدليل .
فأما وجوب البينة على المدعي دون المنكر فلأن يمين المنكر كبينة المدعي فصارا مجتمعين على البينة . وإن اختلفا في صفتهما .
والقسم الرابع : أن يحدث الإجماع بعد الخلاف في عصرين مختلفين ، كاختلاف الصحابة في حكم على قولين فيجمع التابعون على أحدهما : فالظاهر من مذهب الشافعي وما عليه جمهور أصحابه أن حكم الاختلاف ثابت ، وأن ما تعقبه من الإجماع غير منعقد ، لأن انقراض الصحابة على قولين في حكم إجماع منهم على تسويغ الاجتهاد في ذلك الحكم . وفي انعقاد الإجماع بعد إبطال ما أجمعوا عليه من تسويغ الاجتهاد فيه فصار في إثبات إجماع التابعين إبطال إجماع الصحابة فلم يجز .
وقال الحارث بن أسد المحاسبي وتابعه فيه بعض أصحاب الشافعي قد زال حكم الاختلاف بما تعقبه من الإجماع كما يزول اختلاف الصحابة إذا تعقبه إجماعهم .
وهذا فاسد ، لأن إجماع الصحابة لا ينعقد إلا بانقراضهم فلذلك وقع الفرق بين انقراضهم على اختلاف أو إجماع .