پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص114

والوجه الثاني : لا يكون شرطا ، والإجماع مستقر بالاتفاق عليه وليس لأحدهم أن يحدث خلافا فيه ، لأنهم في عظائم الأمور لا يجوز أن يتفقوا على الإجماع عليها إلا بعد وضوح الحق فيها كما أجمعوا مع أبي بكر على قتال مانعي الزكاة ، وفيه إراقة الدماء فلم يكن لأحدهم بعد الإجماع وما سفك فيه من الدماء أن يخالف فيه ، لأنه يجعل ما تقدم من إجماعهم منكرا ولا يجوز أن تجتمع الأمة على منكر .

الشرط الرابع : أن لا يلحق بالعصر الأول من ينازعهم من أهل العصر الثاني .

فإن لحق بعض الصحابة بعض التابعين فخالفهم فيما أجمعوا عليه فقد اختلف أصحاب الشافعي : هل يمنع خلافه من انعقاد الإجماع ؟ على وجهين :

أحدهما : أن الإجماع منعقد لا يرتفع بخلافه ، لأنهم بمشاهدة الرسول ( ص ) أحفظ لشريعته وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها على أبي سلمة بن عبد الرحمن منازعته الصحابة وقالت : أراك كالفروج إذا اجتمع مع الديكة صايحها .

والوجه الثاني : أن خلافه يمنع من انعقاد الإجماع ؛ لأن صغر السن لا يمنع من نفوذ القول كما خالف ابن عباس في صغر سنه أكابر الصحابة ، وقد قال علي : اعرف الحق تعرف أهله .

فإذا استقر الإجماع بهذه الشروط الأربعة وجب أن يكون إجماع أهل العصر حجة على من بعدهم من أهل الأعصار المتأخرة ولا يكون حجة على أهل عصره لعدم استقراره فيه ، فيكون إجماع الصحابة حجة على التابعين ، ولا يكون حجة على الصحابة ، وإجماع التابعين حجة على تابعي التابعين ، ولا يكون حجة على التابعين وهذا حكم الإجماع في كل عصر يأتي ما بقيت الأرض ومن عليها .

وقال داود وطائفة من أهل الظاهر : الإجماع اللازم يختص بعصر الصحابة لاختصاصهم بنزول الوحي فيهم ، ولا يلزم إجماع من بعدهم من التابعين وغيرهم .

وهذا فاسد من وجهين :

أحدهما : أن وضوح الحق مستديم في كل عصر لأنه لا يخلو عصر من قائم لله بحجة ، ولو لم يلزم إجماعهم لخرج الحق عنهم .

والثاني : أنه لما كان أهل كل عصر محجوجين بنقل من تقدمهم وجب أن يكونوا محجوجين بإجماع من تقدمهم ليكون الشرع محروسا بهم من الزلل والخطأ ، وقد روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرها من ناواها ‘ .