الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص113
فإن جهل الاتفاق في القول والعمل ولم يتحقق لم يثبت بذلك إجماع ولا خلاف لترددهما بين اتفاق يكون جماعا وافتراق يكون خلافا فلذلك لم يثبت به إجماع ولا خلاف .
والشرط الثاني : أن يستديموا ما كانوا عليه من الإجماع ولا يحدث من أحدهم خلاف .
فإن خالفهم الواحد بعد إجماعه معهم بطل الإجماع وساع الخلاف لأنه لما جاز أن يحدث إجماعهم بعد الخلاف جاز أن يحدث خلافهم بعد الإجماع ، هذا علي بن أبي طالب خالف في بيع أمهات الأولاد بعد إجماعه مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهم على أن بيعهن لا يجوز فبطل بخلافه الإجماع في تحريم بيعهن ، وقد قيل إن عليا رجع بعد خلافه حين قال له عبيدة السلماني : ‘ يا أمير المؤمنين : إن رأيك مع الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك ‘ .
فإن كان هذا الرجوع صحيحا كان تحريم بيعهن إجماعا .
والشرط الثالث : أن ينقرض عصرهم حتى يؤمن حدوث الخلاف بينهم فإن بقاء العصر ربما أحدث من بعضهم خلافا كما خالف عبد الله بن عباس في العول بعد موت عمر فقيل له : ألا قلته في أيامه فقال هبته وكان امرءا مهيبا .
وليس يعتبر في انقراض العصر موت جميع أهله لأن هذا أمر يضيق ولا ينحصر وقد تتداخل الأعصار ويتدرج الناس من حال بعد حال ويختلفون في الأعمار والآجال .
وإنما المعتبر في انقراضه أمران :
أحدهما : أن يستولي على العصر الثاني غير أهل العصر الأول .
والثاني : أن ينقرض فيهم من بقي من أهل العصر الأول ، قد عاش أنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى إلى عصر التابعين فطاولوهم فجمعوا بين عصرين فلم يدل ذلك على بقاء عصر الصحابة بهم .
وإذا كان انقراض العصر شرطا في استقرار الإجماع فهو معتبر في الأحكام التي لا يتعلق بها إتلاف واستهلاك ، ولا يستقر إجماعهم فيها إلا بانقراضهم عليها .
فأما الأحكام التي يتعلق بها إتلاف واستهلاك لا يمكن استدراكه كإراقة الدماء واستباحة الفروج فقد اختلف أصحابنا في انقراض العصر هل يكون شرطا في انعقاد الإجماع عليه ؟ على وجهين :
أحدهما : يكون شرطا فيه كغيره من الأحكام .