الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص111
والشرط الرابع : أن ينتشر في جميع أهل العصر فيكونوا فيه بين معترف به أو راض به .
فإن انتشر فيهم وأمسكوا عنه من غير أن يظهر منهم اعتراف أو رضى فهو ضربان :
أحدهما : أن يكون في عصر الصحابة .
والثاني : أن يكون في غيره من الأعصار .
فإن كان ذلك في غير عصر الصحابة فلا يكون انتشار قول الواحد منهم مع إمساك غيره إجماعا ولا حجة ، لأنهم قد يعرضون عما لا يتعين فرضه عليهم .
وإن كان في عصر الصحابة الذي قد خصه الله بفضل أهله وقال ( ص ) ‘ أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ‘ وقال : ‘ خير الناس قرني ثم من يليهم ‘ .
فإذا قال الواحد منهم قولا أو حكم به فأمسك الباقون عنه ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون فيما يفوت استدراكه ، كإراقة دم ، أو استباحة فرج ، فيكون إجماعا ؛ لأنهم لو اعتقدوا خلافه لأنكروه ، إذ لا يصح منهم أن يتفقوا على إقرار منكر .
وإن كان مما لا يفوت استدراكه كان حجة لأن الحق لا يخرج عن غيرهم .
وفي كونه إجماعا يمنع من الاجتهاد وجهان لأصحابنا :
أحدهما : يكون إجماعا لا يسوغ معه الاجتهاد لأن عدم الخلاف مع الانتشار يمنع من إثبات الخلاف .
والوجه الثاني : لا يكون إجماعا والاجتهاد معه جائز ؛ لأن من نسب إلى ساكت قولا أو اعتقادا فقد افترى عليه ، وسواء كان هذا القول حكما أو فتيا .
وفرق أبو علي بن أبي هريرة بينهما فجعله إجماعا أن كان فتيا ، ولم يجعله إجماعا إن كان حكما لجواز الاعتراض على المفتي . وترك الاعتراض على الحاكم لما فيه من شق العصا .
وعكسه غيره من أصحابنا فجعله إجماعا إن كان حكما ولم يجعله إجماعا إن كان فتيا ؛ لأن الحكم في الأغلب يكون عن المشاورة وفي الفتيا عن استبداد .
وكلا الفرقين فاسد لاشتراك الحكم والفتيا في وجوب الاجتهاد .
وأما إن لم ينتشر قول الواحد من الصحابة في جميعهم ولم يؤثر فيه خلاف من أحدهم فلا يكون ذلك القول إجماعا ، لأنهم ما عرفوه ، فيرضوا به أو ينكروه .