الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص109
المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن ‘ وهذا قول من جعل الإلهام دليلا .
والذي عليه جمهور العلماء أنه لا يصح انعقاد الإجماع إلا بدليل لأمرين .
أحدهما : أن إثبات الشرع دليل لا يجوز .
والثاني : أن اتفاق الكافة بغير سبب لا يوجد .
وإذا انعقد الإجماع عن أحد أدلته فقد اختلف أصحابنا في القطع على الله تعالى بصحته على وجهين :
أحدهما : أن الإجماع معصوم يقطع بصحته ليصح قيام الحجة به .
والوجه الثاني : أن الإجماع غير معصوم من السهو والغلط اعتبارا بأهله في نفي العصمة عن آحادهم فكذلك عن جماعتهم ، ولا يكون قيام الحجة به موجبا لعصمته كما تقوم الحجة بخبر الواحد وإن كان غير معصوم .
وأما الفصل الثاني فيما ينعقد به الإجماع : فانعقاده معتبر بأربعة شروط :
أحدها : أن يعتبر فيه قول الخاصة من أهل العلم دون العامة لقول الله تعالى : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط ) [ آل عمران : 18 ] فخص أهل العلم دون العامة بهذه المنزلة ‘ وكذلك قال رسول الله ( ص ) : ‘ العلماء ورثة الأنبياء ‘ وقد خالف أبو طلحة الأنصاري الصحابة رضي الله عنهم في أن البرد لا يفطر الصائم ، لأنه ليس بطعام ولا شراب فردوا قوله ولم يعتدوا خلافه لأنه كان من عامة الصحابة ولم يكن من علمائهم .
والشرط الثاني : أن يكون قول علماء الأمصار كلهم .
وقال مالك : الإجماع معتبر بأهل المدينة . ولا ينتقض إجماعهم ، بخلاف غيرهم ، لنزول الوحي فيهم ، وقبض الرسول ( ص ) بينهم ، وانتشار العلم عنهم ، ولقول النبي ( ص ) : ‘ إن العلم ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها ‘ .