الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص107
وكلا القولين فاسد ؛ لقول الله تعالى : ( واتبع سبيل من أناب إلي ) [ لقمان : 15 ] ؛ فدل أمره باتباعهم على إمكان اتفاقهم ووجوب إجماعهم ، ثم نهى الله تعالى عن مخالفتهم فقال ( ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ) [ النساء : 115 ] الآية .
فصار خلافهم محظورا ، أكده بقوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) [ آل عمران : 103 ] وقال النبي ( ص ) ‘ الأمة المجتمعة حجة على من شذ عنها ‘ ثم أخبر أنهم لا يجتمعون إلا على حق فقال : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) [ آل عمران : 110 ] الآية ، وقال النبي ( ص ) : ‘ لا تجتمع أمتي على ضلالة ‘ .
ثم جعل أهل كل عصر حجة على من بعدهم من الأعصار ليستديم الإبلاغ فقال تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) [ البقرة : 143 ] ، فجعل الرسول حجة عليهم ، وجعلهم حجة على غيرهم .
وروى معاذ بن رفاعة عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال : قال رسول الله ( ص ) : ‘ يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ‘ ، وإذا ثبت أن إجماع هذه الأمة حجة فقد اختلف في أمة كل نبي هل يكون إجماعهم حجة أم لا ؟
فذهب بعض المتكلمين إلى أن إجماع غير هذه الأمة لا يكون حجة . وهو قول أبي علي بن أبي هريرة لأن اليهود والنصارى قد أجمعوا على قتل عيسى ابن مريم وقد أخبر الله تعالى بكذب الفريقين .
وقال آخرون منهم : يكون حجة على من بعدهم من أمتهم ، لوجوب العمل بشرائع الأنبياء في عصر بعد عصر ما لم يرد نسخها .
فأما إجماع اليهود والنصارى على كذبهم في قتل عيسى فإنما انعقد الإجماع على نقل القتل المأخوذ عن آحاد تعترضهم الشبهة ويجوز أن يتطرق عليهم الكذب ، والإجماع على النقل حق وإن كان القتل باطلا .
فصار المتعلق بالإجماع على ما أوضحناه أربعة أحكام :
أحدها : إمكان وجوده .
والثاني : لزوم حجته .