الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص106
والضرب الثالث : أن يعمل بها بعض الصحابة ويتركها بعضهم ، فالعمل بالسنة واجب وإن تركها بعضهم لأن التارك لها محجوج بها .
وإذا رويت سنة لمن غاب عن رسول الله ( ص ) فعمل بها ثم لقي رسول الله ( ص ) فقد اختلف أصحابنا هل يلزمه سؤاله عنها ؟ على وجهين :
أحدهما : يلزمه سؤاله عنها ليكون على يقين من وجوب العمل بها .
والوجه الثاني : لا يلزمه السؤال ويجوز أن يعمل فيها على الخبر ، لأنه لو لزمه السؤال إذا حضر للزمته الهجرة إذا غاب .
والصحيح عندي : أن وجوب السؤال مختلف باختلاف السنة فإن كانت تغليظا لم يلزم السؤال عنها وإن كانت ترخيصا لزمه السؤال عنها لأن التغليظ التزام والترخيص إسقاط .
وإذا ظفر الإنسان براوي حديث عن رسول الله ( ص ) يتعلق بالسنن والأحكام فإن كان من العامة المقلدين لم يلزمه سماع الحديث ، لأن فرضه السؤال عند نزول الحوادث به وإن كان من الخاصة المجتهدين لزمه سماع الحديث ليكون أصلا في اجتهاده ، ونقل السنن من فروض الكفايات .
فإذا نقلها من فيه كفاية سقط فرضها عن الباقين وإذا قصر ناقلوها عن الكفاية خرجوا أجمعين لطلب العلم .
والذي يدخل في فرض الكفاية من قبلت منه الرواية ، ولا يدخل فيهم من لم تقبل روايته .
وعلى متحمل السنة أن يرويها إذا سئل عنها ولا يلزمه روايتها إذا لم يسأل عنها إلا أن يجد الناس على خلافها فيلزمه روايتها ليعملوا بها والله أعلم .
وأما الأصل الثالث من أصول الشرع – وهو الإجماع – فالإجماع هو أن يستفيض اتفاق أهل العلم من جهة دلائل الأحكام وطرق الاستنباط على قول في حكم لم يختلف فيه أهل عصرهم وتكون استفاضته عند أمثالهم من أهل العلم بعد عصرهم فتعتبر الاستفاضة عن أهل العلم وفي أهل العلم لا يكون لقول من جرح من أهل العلم تأثير في وفاق أو خلاف فهذا حد الإجماع .
وهو حجة في الأحكام .
وقد أنكر قوم إمكان الإجماع وإن كان دليلا ، وأنكر قوم أن يكون دليلا وإن أمكن .