الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص104
وإن كان الكتاب منافيا للسنة في ذلك الحكم فأثبته أحدهما ونفاه الآخر ، فهو على ثلاثة أضرب :
أحدها : أن يتقدم الكتاب فيكون العمل على الكتاب دون السنة لأن الكتاب لا ينسخ بالسنة .
والضرب الثاني : أن تتقدم السنة على الكتاب فيكون العمل على مذهب الشافعي بالسنة دون الكتاب ، لأن عنده أن السنة لا تنسخ بالكتاب . وعلى مذهب من أجاز نسخ السنة بالكتاب من أصحابه كابن سريج وغيره يكون العمل على الكتاب دون السنة وتكون السنة منسوخة بالكتاب .
والضرب الثالث : أن يردا موردا واحدا ولا يتقدم أحدهما على الآخر ، فقد اختلف أصحاب الشافعي ، في المأخوذ به منهما ، على ثلاثة مذاهب :
أحدها : يؤخذ فيه بكتاب الله ، لأنه أصل السنة ، وقد جاء عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ ما أتاكم عني فأعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاعملوا به وإن خالفه فاتركوه ‘ .
والمذهب الثاني : أن يؤخذ فيه بحكم السنة لاختصاصها بالبيان والله تعالى يقول : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) [ الحشر : 7 ] .
والمذهب الثالث : يجب التوقف عنهما ، حتى يقوم الدليل على ثبوت أحدهما .
والصحيح عندي : أن ينظر في حكم السنة فإن كان تخصيصا عمل على السنة دون الكتاب ، لأن عموم الكتاب مخصوص بالسنة ، وإن كان نسخا عمل على الكتاب دون السنة لأن الكتاب لا ينسخ بالسنة .
وأما الضرب الثاني في مقابلة السنة بالسنة : فإن اتفقا وكان الفعل فيهما موافقا للقول تأكد الحكم باجتماعهما فيه ، ووجب العمل به ، وإن تنافيا فيه وكان الفعل في السنة مخالفا للقول : مثل أن يرد عن الرسول قول فيعمل بخلافه ، والأحكام قد تؤخذ من فعله كما تؤخذ من قوله ، فهذا على ثلاثة أضرب :
أحدها : أن يمكن استعمالهما على ما لا يتنافيان ، مثل نهيه عن الصلاة بعد العصر ، ثم صلى بعد العصر فحمل نهيه عن الصلاة التي لا سبب لها ، وحمل فعله على الصلاة التي لها سبب ، فيجب العمل بهما ويحمل كل منهما على ما يوجبه استعمالهما .
والضرب الثاني : أن يكون الرسول مخصوصا بذلك الفعل ، كما بين اختصاصه