الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص83
فقد قيل : إن آخر آية نزلت في القرآن قوله تعالى ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ) [ البقرة : 281 ] وهي متقدمة في سورة البقرة . وأول ما نزل من القرآن سورة ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) وهي متأخرة في المفصل . والنسخ إنما يتأخر ويختص بالمتأخر في التنزيل دون التلاوة .
وإن أشكل المتقدم والمتأخر وجاز أن يكون كل واحد متقدما أو متأخرا عدل إلى الدليل الثاني : وهو بيان الرسول : فإن ثبت عنه بيان الناسخ من المنسوخ عمل عليه وكانت السنة مبينة له ولم تكن ناسخة .
وإن عدم بيان الرسول ( ص ) عدل إلى الدليل الثالث وهو الإجماع فإن انعقد الإجماع على تعيين الناسخ والمنسوخ عمل عليه وكان الإجماع مبينا ولم يكن ناسخا .
وإن عدم الإجماع عدل إلى الدليل الرابع وهو الاستعمال فإن كان أحدهما مستعملا والآخر متروكا كان المستعمل ناسخا والمتروك منسوخا .
فإن لم يوجد في الاستعمال بيان إما لاشتباهه أو لاشتراكه عدل إلى الدليل الخامس : وهو الترجيح بشواهد الأصول وتطلب الأدلة وكانت غاية العمل به .
وسمعت أن بعض أهل العلم يقول إن كل آية منسوخة ففي ضمن تلاوتها ما يدل على أن حكمها ليس بثابت على الإطلاق ، مثل قوله في سورة النساء في حد الزنا : ( فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) [ النساء : 15 ] دل قوله : ( أو يجعل الله لهن سبيلا ) ، أن حكمها لا يدوم فنسخها آية النور في قوله : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) [ النور : 2 ] ولذلك قال النبي ( ص ) ‘ خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ‘ وهذا الذي ادعاه هذا القائل يبعد أن يوجد في كل آية منسوخة ، لكنه معتقد لمذهب أبي حنيفة في أن الزيادة على النص تكون نسخا فيجعل ذلك في شواهد المنسوخ ، وليست الزيادة عندنا على النص نسخا .
وأما القسم السابع في الفرق بين التخصيص والنسخ : فالفرق بينهما من خمسة أوجه :
أحدها : أن تخصيص العموم يجوز أن يكون مقترنا به ومتقدما عليه ومتأخرا عنه ولا يجوز أن يكون الناسخ متقدما على المنسوخ ولا مقترنا به ، ويجب أن يكون متأخرا عنه .
والفرق الثاني : أن التخصيص بيان ما أريد بالعموم ، النسخ بيان ما لم يرد بالمنسوخ .