الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص79
لمجمله ، فإذا ورد الكتاب بنسخها كان نسخا لما في الكتاب من أصلها فصار ذلك نسخ الكتاب بالكتاب .
والوجه الثاني : أن الله تعالى يوحي إلى رسوله بما يخفيه عن أمته ، فإذا أراد نسخ ما سنه الرسول ( ص ) أعلمه به حتى يظهر نسخه ثم يرد الكتاب بنسخه تأكيدا لنسخ رسوله فصار ذلك نسخ السنة بالسنة .
والوجه الثالث : أن نسخ السنة بالكتاب يكون أمرا من الله تعالى لرسوله بالنسخ فيكون الله تعالى هو الآمر به والرسول هو الناسخ له فصار ذلك نسخ السنة بالكتاب والسنة والله أعلم .
فأما القسم الثالث في أحكام النسخ : فهو على خمسة أضرب .
أحدها : ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته والناسخ باقي الحكم والتلاوة ، كنسخ العدة حولا بأربعة أشهر وعشر وكنسخ آية الوصايا بآية المواريث .
والضرب الثاني : ما نسخ حكمه وتلاوته والناسخ باقي الحكم كنسخ صيام الأيام البيض بصيام شهر رمضان ونسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة كما قال ابن عباس : ‘ أول ما نسخ باب الصيام الأول واستقبال بيت المقدس ‘ .
والضرب الثالث : ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته ونسخت تلاوة الناسخ وبقي حكمه : كقوله في حد الزنا ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) [ النساء : 15 ] نسخه قوله الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله قال عمر : كنا نقرؤها على عهد رسول الله ( ص ) ولولا أن يقال : زاد عمر في المصحف لأثبتها فيه فكان المنسوخ مرفوع الحكم باقي التلاوة والناسخ مرفوع التلاوة باقي الحكم .
فإن قيل فكيف يجوز أن يكون المنسوخ ناسخا ؟ ففيه جوابان :
أحدهما : أن النسخ إنما كان للحكم دون التلاوة والحكم باق وأن نسخت التلاوة .
والثاني : يجوز أن يكون النسخ به قبل نسخ تلاوته .
والضرب الرابع : ما نسخ حكمه وتلاوته ولا يعلم الذي نسخه كالمروي أنه كان في القرآن ‘ لو أن لابن آدم واديا من ذهب لابتغى إليه ثانيا ولو كان له ثان لابتغى إليه ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ‘ . وكالذي رواه أنس بن مالك أنهم كانوا يقرأون ‘ بلغوا إخواننا أننا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ‘ ومثل هذا