الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص60
ويجوز تخصيص العموم بالقياس الجلي .
وفي جواز تخصيصه بالقياس الخفي وجهان .
فإذا عدم المجتهد أدلة التخصيص من أحد هذه الأصول الأربعة وجب عليه استعمال العموم على العموم .
فإذا خص العموم بما ذكرنا من أحد الأصول الأربعة جاز القياس على المخصوص من العموم ولم يجز القياس على الباقي من العموم .
مثاله : أن قوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) [ المائدة : 37 ] لما خص منه من سرق من ثمر أو كثر في سقوط القطع عنه لم يجز أن نقيس على قطع السارق قطع من ليس بسارق ، وجاز أن نقيس على سارق الثمر والكثر سارق غير الثمر والكثر في سقوط القطع عنه .
والفرق بينهما : أن العموم لما ضعف حكمه عن استيفاء اسمه ضعف معناه عن اجتذاب غيره والمخصوص لما قوي حكمه على استيفاء اسمه قوي معناه على اجتذاب غيره .
ولذلك قاس الشافعي على جزاء الصيد في تحريم أكله وهو مخصوص تحريم هدي المتعة ولم يقسه على بقية العموم في الإباحة .
وأما القسم الثاني : وهو المفسر والمجمل فالمفسر هو الذي يفهم منه المراد به .
والمجمل هو ما لم يفهم منه المراد به .
ومثله في الكتاب قوله تعالى : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) [ الأنعام : 141 ] ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) [ البقرة : 43 / النساء : 4 ، 7 / النور : 56 / المزمل : 20 ] .
ومثله في السنة : قول النبي ( ص ) : ‘ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها : عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ‘ .
فإن قيل كيف جاز خطابهم بما لا يفهمونه من المجمل ؟ قيل : لأمرين :
أحدهما : ليكون إجماله توطئة للنفوس على قبول ما يتعقبه من البيان فإنه لو بدأ في تكليف الصلاة والزكاة ببيانهما جاز أن تنفر النفوس منهما ولا تنفر من إجمالهما .
والثاني : أن الله تعالى جعل من الأحكام جليا ، وجعل منها خفيا ؛ ليتفاضل الناس