الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص7
ولأن القضاء أمر بالمعروف ونهي عن المنكر والله تعالى يقول : ( الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ) [ التوبة : 112 ] . الآية .
ولأن الناس لما في طباعهم من التنافس والتغالب ولما فطروا عليه من التنازع والتجاذب يقل فيهم التناصر ويكثر فيها التشاجر والتخاصم ، إما لشبهة تدخل على من تدين أو لعناد يقدم عليه من يجور . فدعت الضرورة إلى قودهم إلى الحق والتناصف بالأحكام القاطعة لتنازعهم والقضايا الباعثة على تناصفهم .
ولأن عادات الأمم به جارية وجميع الشرائع به واردة .
ولأن في أحكام الاجتهاد ما يكثر فيه الاختلاف فلم يتعين أحدهما بين المختلفين فيه إلا بالحكم الفاصل والقضاء القاطع . ‘
فإذا تقرر ما ذكرنا فولاية القضاء تشتمل على خمسة شروط : مولى ومولي وعمل ونظر وعقد .
فأما الشرط الأول وهو المولي فيرجع فيه إلى أصل وفرع .
فأما الأصل فهو الإمام المستخلف على الأمة فتقليد القضاء من جهته فرض يتعين عليه لأمرين :
أحدهما : لدخوله في عموم ولايته .
والثاني : لأن التقليد لا يصح إلا من جهته ، ولا يجوز أن يتوقف حتى يسأل لأنه من الحقوق المسترعاة .
وأما الفرع : فهو قاضي الإقليم إذا عجز عن النظر في جميع النواحي لزمه تقليد القضاء فيما عجز عن مباشرة النظر فيه .
فإن بعد عن الإمام تعين فرض التقليد على القاضي وإن قرب منه كان فرض التقليد مشتركا بينه وبين الإمام .
ويتعين عليهما دون غيرهما فأيهما انفرد بالتقليد سقط فرضه عنهما .
فإن تفرد القاضي بالتقليد كان فيه على عموم ولايته . وإن تفرد الإمام بالتقليد كان عزلا للقاضي عنه إلا أن يصرح في التقليد باستنابته عنه فيكون باقيا على ولايته .