الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص430
كان هذا فاسداً كان ما ذهب إليه من العكس افسد ، ووجب أن يعتبر ما قررناه من اجتماع الأمين الاسم والصفة ، لأنه مستمر في القياس ، فلا يحنث بالزبد إذا حلف لا يأكل اللبن ، ولا يحنث باللبن إذا حلف لا يأكل الزبد ، لأنهما يختلفان في الاسم والصفة .
وعلى هذا القياس إذا حلف لا يأكل اللبن لم يحنث بالجبن والمصل .
وإذا حلف لا يأكل الجبن والمصل لا يحنث باللبن ، لاختلافهما في الاسم والصفة ، وعند ابن أبي هريرة أنه يحنث بالجبن والمصل إذا حلف لا يأكل اللبن ، لأنهما من اللبن ، ولا يحنث باللبن إذا حلف لا يأكل الجبن والمصل ، لأن اللبن لا يكون منهما .
ولو كان لقوله هذا وجه ، لوجب أن يحنث بالتمر إذا حلف لا يأكل رطباً ، لأنه من رطب ولا يحنث بالرطب إذا حلف لا يأكل التمر ، لأنه ليس من التمر ، ولا أحسب ابن أبي هريرة يقول هذا ، وإن كان تعليله يقتضيه ، لأن الإجماع منعقد على خلاقه .
فإن كان الاسم مجملاً كقوله في الإثبات : والله لأفعلن شيئاً ، وفي النفي : والله لا فعلت شيئاً ، فاسم الشيء يعم كل مسمى ، فلا يحمل على جميع الأسماء لخروجها من القدرة والعرف ، ووجب أن يحمل على بعضها ، ولا يتعين بعضها إلا بالبيان ، فوجب أن يرجع فيها إلى بيانه ، وله حالتان .
إحداهما : أن يكون له نية وقت يمينه ، فيحمل إجمال يمينه على نيته ، فيصير بالنية مفسراً ، وبالقول مخبراً ، كأنه أراد بقوله : لا فعلت شيئاً أي لا دخلت هذه الدار ، وبقوله : لأفعلن شيئاً أي : لأدخلن هذه الدار ، فتعلق بره وحنثه بدخول الدار ، سواء تقدم على بيانه أو تأخر ، ولا يتعلق بغيره من الأشياء بر ولا حنث .
والحال الثانية : أن لا تكون له نية وقت يمينه ، فله أن يعينها بعد اليمين فيمن شاء ويعمل فيها على خياره ، كمن قال لنسائه : إحداكن طالق ، ولم يعين واحدة ، كان له تعيين الطلاق فيمن شاء منهن ، وإن كان التعيين على خياره ، فاليمين على ضربين :
أحدهما : أن يكون قد حلف بطلاق أو عتاق ، فيؤخذ حتماً بتعيين يمينه ، فيما يختاره من الأشياء ، لتعلق حق الآدمي بها .
والضرب الثاني : أن يكون قد حلف بالله ، فلا يجبر على تعيين ما يختاره ، وتكون موقوفة على إرادته في التعيين متى شاء ، ولا حنث فيها قبل التعينين .