الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص422
فذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أن بقاء الاسم شرط في الحنث ، فإن قضمها حباً حنث ، لبقاء اسم الحنطة عليها ، وإن طحنها ، فأكلها خبزاً أو دقيقاً أو سويقاً لم يحنث ، لزوال اسم الحنطة عنها .
فأما الشافعي ، فجرى على قياس مذهبه فيمن حلف لا يدخل في هذه الدار ، فصارت طريقاً أنه لا يحنث ، لزوال اسم الدار عنها بعد الهدم ، كزوال اسم الحنطة عنها بعد الطحن .
وأما أبو حنيفة ، فناقض مذهبه في الدار ، فجعله حانثاً بعد الهدم ، ولم يجعله حانثاً في الطعام بعد الطحن ، وقد اشتركا في زوال الاسم .
وقال أبو يوسف ومحمد وأبو العباس بن سريج من أصحابنا : أن اليمين معقودة على العين دون الاسم ، فيحنث بأكلها خبزاً ودقيقاً وسويقاً ، كما يحنث بقضمها حباً صحيحاً ، احتجاجاً بأن الاسم موضوع لتعريف اليمين .
فإذا عرفت بالتعيين سقط حكم الاسم استشهاداً بما وقع الاتفاق عليه أنه لو حلف لا آكل من هذا الجمل ، فذبحه وأكل من لحمه حنث ، وإن لم يكن بعد الذبح جملاً ، وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أن المستفاد بالتعيين هو نقل الحكم من عموم المبهم إلى خصوص العين ، فإذا كان الاسم معتبراً في المبهم وجب أن يكون معتبراً في المعين .
والثاني : أن العقد اشتمل على تسمية وتعيين ، فلما كان بقاء العين شرطاً وجب أن يكون بقاء الاسم شرطاً .
فأما الجمل فالفرق بينه وبين الحنطة من وجهين :
أحدهما : أنه لا يمكن أكل الجمل حياً ، ويمكن أكل الحنطة حباً .
والثاني : أن الشيء منع من أكل الجمل حياً ، ولم يمنع من أكل الحنطة حباً . فلهذين ما افترقا في بقاء الاسم وزواله .
وقال أبو حنيفة : إن استفه لم يحنث ، وإن خبزه وأكل منه حنث ، فكان مذهبه فيه عكس مذهبنا ، احتجاجاً بعرف الدقيق ، أنه لا يؤكل إلا مخبوزاً كالحيوان الذي لا يؤكل إلا مذبوحاً ، فاقتضى أن يكون وجود العرف فيه مشروطاً ، وهذا فاسد من وجهين :