الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص421
والثاني : أن يعلم أنها الباقية التي لم يأكلها ، فلا يحنث .
والثالث : أن يشك ، هل أكلها أو لم يأكلها ، فلا حنث عليه ، لجواز أن يكون المحلوف عليها هي الباقية ، أو الهالكة ، فصار الحنث مشكوكاً فيه ، والحنث لا يقع بالشك ، ومستحب له في الورع أن يحنث نفسه احتياطاً اعتباراً بالأغلب من حالها أنها في المأكول ، مع تجويز بقائها في العادة .
فإن قيل : فهلا علقتم حكم الوجوب بالغالب من حال هذا ، فحكمتم بحنثه ، كما حكمتم فيمن حلف ليضربن عبده مائة ضربة ، فجمع مائة شمراخ ، وضربه بها ضربة ، وشك في وصول جميعها إلى جسده أنه يبر تغليباً للظاهر في وصول جميعها إلى جسده ، وإن كانت لا تصل لطائفها .
قيل : لوقوع الفرق بينهما بأن المعدود في الضرب مفعول ، والوقوع في المحل معلوم ، والحائل دونه مشكوك فيه ، يعمل على الظاهر ، ولم يؤخذ بالشك ، وخالف التمرة ، لأن فعل الأكل فيها غير معلوم ، وهو المختص بالشك ، فاطرح .
قال الماوردي : اعلم أنه لا يخلو يمين من حلف لا يأكل حنطة من أمرين : إبهام أو تعيين .
فإن أبهم ، ولم يعين ، فقال : والله لا أكلت حنطة ، أو لا أكلت الحنطة ، فهما سواء ، ويحنث بأن يأكلها حباً صحيحاً ، ولا يحنث أن يأكلها خبزاً أو دقيقاً أو سويقاً وهذا متفق عليه ، لأنه إذا أبهم صارت اليمين معقودة على الاسم دون العين ، فيحنث بما انطلق عليه ذلك الاسم ، ولا يحنث بما زال عنه ذلك الاسم ، وقد زال اسم الحنطة عنها بعد طحنها وخبزها .
ألا تراه لو حلف لا كلم صبياً ، فكلم رجلاً أو لا أكل رطباً ، فأكل تمراً لم يحنث ؟ وإن علمنا أن الرجل قد كان صبياً ، والتمر قد كان رطباً ، لانعقاد اليمين في الإبهام على الاسم دون العين .
وإن عين ، فقال : والله لا أكلت هذه الحنطة ، تعينت الحنطة في يمينه ، ولم يحنث بأكل غيرها .
واختلفوا في بقاء الاسم عليها ، هل يكون شرطاً في عقد اليمين ، لا يقع الحنث إلا مع بقائه ؟