الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص412
وقال أبو حنيفة : يحنث بأكل رؤوس البقر والغنم ، ولا يحنث بأكل رؤوس الإبل ، وهو عرف أهل الكوفة ، لاختصاصهم بإفراد رؤوس هذين النوعين بالبيع بعد انفصالها دون رؤوس الإبل ، وتعليلاً بأن رؤوس الغنم تشوى وتكبس ، ورؤوس البقر تكبس ولا تشوى ، ورؤوس الإبل لا تشوى ، ولا تكبس .
وقال أبو يوسف ومحمد : لا يحنث إلا بأكل رؤوس الغنم وحدها ، اعتباراً بعرف بغداد ، وتعليلاً بأنها تشوى وتكبس ، ولا يجمع الأمران في غيرها ، وكلا التعليلين دعوى مدفوعة ، لوجود الأمرين في الثلاثة كلها .
واختلف أصحابنا في تعليل ما ذهب إليه الشافعي رضي الله عنه من حنثه برؤوس الثلاثة كلها على وجهين يحتملهما كلام الشافعي :
أحدهما : لاختصاصها بقطع رؤوسها عن أجسادها ، وإفراد بيعها في أسواقها ، فعلى هذا إن كان في بلاد الفلوات يكثر فيها الصيد وتقطع رؤوسه من أجساده ، ويفرد بيعه في أسواقه أو كان في بلاد البحار بلد يكثر فيه الحيتان وتقطع رؤوسها عن أجسادها ، ويفرد بيعها في أسواقها حنث أهلها بأكل رؤوسها ، كما يحنث أهل أمصار الريف بأكل رؤوس الغنم ، فعلى هذا هل يكون عرف هذه البلاد المختلفة مقصوراً على أهلها أو عاماً فيهم ، وفي الطارئ إليها ؟ على وجهين :
أحدهما : أنه خاص في أهلها دون الطارئ إليها ، تغليباً لعرف الحالف ، فإن دخل أهل الريف إلى بلاد الفلوات والبحار لم يحنثوا إلا برؤوس الغنم وإن دخل أهل الفلوات إلى أمصار الريف لم يحنثوا إلا برؤوس الصيد وإن دخل أهل البحار إلى أمصار الريف لم يحنثوا إلا بأكل رؤوس الحيتان .
والوجه الثاني : أنه عام في أهلها ، وفي الطارئ إليها ؛ تغليباً لعرف المكان ، فإن دخل أهل الريف إلى بلاد الفلوات ، حنثوا برؤوس الصيد ، وإن دخلوا إلى بلاد البحار حنثوا برؤوس الحيتان .
وإن دخل أهل الفلوات والبحار إلا بلاد الريف حنثوا برؤوس النعم .
وفي بقاء حنثهم يعرف بلادهم وجهان :
أحدهما : أنه باقٍ عليهم لاستقراره عندهم ، فعلى هذا يحنث أهل الريف في بلاد الفلوات بأكل رؤوس الصيد ، ويأكل رؤوس النعم ، ويحنثون في بلاد البحار بأكل