الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص384
قال الماوردي : وأصل هذا الباب أن كل يمين علقت على فعل فاعل كانت مقصورة على فعله ، ولم تتعلق بفعل غيره ، فيكون البر والحنث معتبراً بفعل من قصد باليمين ، فإذا لازم صاحب الدين غريمه وحلف أن لا يفترقا حتى يستوفي حقه لم يخل يمينه من أحد ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يعقدها على فعله .
والثاني : على فعل غريمه .
والثالث : على فعلهما .
فأما القسم الأول : وهو أن يعقدها على فعله ، فهو أن يقول : والله لا فارقتك حتى أستوفي حقي منك ، فالبر والحنث متعلق بفعل الحالف دون المحلوف عليه ، فإن فارقه الحالف مختاراً ذاكراً حنث ، وإن فارقه مكرهاً أو ناسياً ففي حنثه قولان ، على ما مضى في حنث المكره والناسي ، فأما إن فارقه الغريم المحلوف عليه ، وفر منه لم يحنث الحالف ، سواء قدر على إمساكه أو لم يقدر ، لأن اليمين معقودة على فعله فكان حنثه بأن يكون الفراق منسوباً إلى فعله ، وهذا الفراق منسوب إلى فعل غريمه ، فلم يتعلق به حنث ، ووهم ابن أبي هريرة فخرج حنثه بفراق الغريم على قولين من حنث المكره والناسي وهو خطأ لما ذكرنا .
وأما القسم الثاني : وهو أن يعقد يمينه على فعل غريمه ، وهو أن يقول : والله لا فارقتني حتى أستوفي حقي منك ، فإن فارقه الغريم مختاراً ذاكراً حنث ، وإن فارقه مكرهاً أو ناسياً ، فقد اختلف أصحابنا في الإكراه إذا كان في فعل المحلوف عليه ، هل يجري مجرى الإكراه في فعل الحالف على وجهين :
أحدهما : وهو قول البغداديين أن الإكراه فيهما على سواء ، فعلى هذا في حنث الحالف قولان :